ملخص الحلقة السابقة

Ad

• غيرترود: يقال إن الشيخ مبارك الصباح اتصل بالسيد طالب النقيب، وعرض عليه 3000 ليرة لإقناع الحكومة التركية بالقبض على سعدون ووضعه في السجن.

• إثر تناول سعدون وجبته أرسل العملاء الأتراك رجالاً متخفين في زي مبعوثين من الوالي لدعوته إلى الحضور أمام الوالي في السراي، واقتيد بعدها إلى السجن في حلب ومات هناك.

• منذ قيام السيد طالب بالعملية الخادعة، اختفى زعيم المنتفق الكبير من التاريخ واحتل مكانه ابنه الثاني عجمي.

• رجال قبيلة البدور يحاصرون عجمي الذي يخلصه الأتراك ليسعى إلى البحث عن حماية.

• وقعت أشد المعارك ضراوة في تاريخ الحروب القبلية في صحراء الجزيرة العربية، حين لقنت قبيلتا الظفير والبدور درسا قاسيا لعجمي وأتباعه... ويقال إنهم قتلوا 300 فرد منهم، بينما لم تزد خسائرهما على الأربعين قتيلاً.

• عجمي يمتطي ذلوله وحيدا ميمما حائل لطلب الحماية من الأمير ابن رشيد.

• بعد تحالفهم مع عجمي، فرَّ بنو مالك من معركة جرت بين شقراء والرخيمية ما أدى إلى حصاره وقبيلة مطير وتم الاستيلاء على متاعهم ورحلهم.

• انتقل عجمي إلى الغباشية ودبَّر الاستيلاء على 60 ألف ليرة كان ابن عم والده قد أودعها في مبني معروف باسم «بيت مال مزيد».

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً

إلى المكتبة العربية.

المترجم

اندلاع الحرب العالمية الأولى

بينما كانت معارك البدو في صحراء الشامية (الواقعة جنوب العراق حتى شمال نجد) تدور على أشهدها، وفي غضون تلك الفترة كانت شبه الجزيرة العربية تشهد أحداثا عظاما أكثر أهمية من أي خلافات قبلية. فقد أعلنت تركيا الحرب على بريطانيا العظمى، والأتراك الذين كان يشاركهم عجمي بأكثر من 250 فارساً دُحروا تدريجياً في الفاو والبصرة. ولكن أحداثا أخرى بدأت في التطور، قد لا تكون ذات شأن عالمي على الرغم من أهميتها لجزيرة العرب. وهي أحداث تتعلق بعناصر الخلافات، لكنها ليست ضمن مجال هذا التقرير الذي يهتم بصحراء الشامية بشكل رئيس، ولكن من المفيد وصف أحد الصراعات الكبيرة لشرح عناصر معينة لا يمكن أن تخرج على الإطلاق عن صلتها بصحراء الشامية، وهي تلك الحرب المشهورة بين ابن سعود وابن رشيد.

الولاءات القديمة

تفصيل تلك الأحداث كما يلي: فقد أرسل ابن سعود إنذارا نهائيا إلى قبيلة مطير، التي كانت بالفعل إحدى القبائل التابعة له على الرغم من أن المطران انضموا أخيراً إلى ابن رشيد أو عجمي عندما عرضا عليهم فرصاً للقيام بغزوات، وقد طلب منهم العودة إلى تبعيته وإلا فإنهم سوف يكسبون عداوته الدائمة.

وقرر المطران العودة إلى ولائهم القديم واحتفلوا بهذه المناسبة بالاستيلاء على قافلة مكونة من 1000 بعير لأتباع ابن طواله زعيم عشيرة الأسلم من شمر، كانت في طريقها قادمة من الزبير. وكانوا حينئذ مستعدين إلى العودة إلى وطنهم والمشاركة مع قوات ابن سعود.

هروب النقيب عبر الكويت

حاول الأتراك إقناع ابن رشيد بمهاجمة ابن سعود في بداية حربهم مع بريطانيا العظمي، ووافق ابن رشيد على ذلك وجمع قواته، وفي هذه الأثناء غيَّر الأتراك رأيهم، ورأوا أنه من الأفضل لو استطاعوا إقناع ابن رشيد بأن يحتفظ بقواته في العراق، ويقوم ابن سعود بمهاجمة الكويت، وفي الوقت نفسه يتمكنون من إخضاع العرب في العراق مما يترتب على ذلك الإطاحة بقاعدة قوية لبريطانيا.

وبناءً على ذلك قرر الأتراك تكليف السيد طالب النقيب بمهمة الاتصال بابن سعود لحثه على التعاون معهم. وكان السيد طالب حينذاك مشغولاً بعرض خدماته علينا (الإنكليز) بناء على شروط مسرفة، وأثناء تردده في أن يخفف من شروطه، تسارعت الأحداث وأعلنت الحرب بشكل مفاجئ فأصبح في موقف خطر، ووفرت له مهمة قيامه بالاتصال بابن سعود وسيلة ثمينة للهروب، وعند وصوله إلى ابن سعود اتصل بالسلطات البريطانية التي سمحت له بالقدوم إلى الهند عبر الكويت.

العدو التقليدي

في غضون ذلك، أصبح من المرجح إمكانية دخول تركيا الحرب. وقررت حكومة صاحب الجلالة (بريطانيا) أن ترسل مبعوثاً إلى ابن سعود بشأن مصالحنا في شخص الكابتن شكسبير Shakespeare، وهو وكيل سياسي سابق في الكويت، وكان في إنكلترا آنذاك، وعند وصوله إلى الخليج (العربي) أُعلنت الحرب، ومع ذلك أبدت الحكومة رغبتها في الاتصال بابن سعود، وإن أمكن جعله يتحرك نحو العراق خدمة لمصالحنا، وبناءً على ذلك تحرك الكابتن شكسبير من الكويت لأداء هذه المهمة ووجد ابن سعود يتحرك بقوات كبيرة نحو بلاد شمر لمهاجمة ابن رشيد، وهو واثق جداً من النجاح.

وقد اشتملت قواته على فرقة مهيبة من قبيلة العجمان- على الرغم من الجفوة التي سادت علاقتها مع ابن سعود مدة طويلة، لكنها ظلت تدين له بالولاء وتطيع أوامره لتحقيق الاتحاد العام للقوات. وكانت قبيلة مطير أيضاً في طريقها للمشاركة، وفي ظل تلك الظروف ساد اعتقاد بين أهل البادية بأن ابن سعود كان قادراً على هزيمة عدوه التقليدي (ابن رشيد)، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من رجاله المقاتلين، كان معه ثلاثة أو أربعة مدافع جبلية يديرها رماة ماهرون. ولكن هناك عامل وحيد في أي معركة عربية يخرج عن نطاق التنبؤ ألا وهو الخيانة.

ضربة قاسية لابن سعود

ويعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في نتيجة المعركة لمصلحة ابن سعود لولا (حسب قصص البدو) موقف العجمان المفاجئ، ويقال إنهم انقلبوا عليه في مرحلة حرجة من الصراع وقتلوا أعدادا كبيرة، وأربكوا البقية، وخرجوا بغنائم كبيرة من الإبل.

وأتباع كلا الجانبين روّوا روايات مختلفة عمّا دار، ولكن ليس هناك شك في أنه على الرغم من أن كلا الجانبين قد عانى بشكل خطير الصدمة بسبب عدم المواجهة وعمليات الاستيلاء التي قام بها العجمان وآخرون؛ فإن ابن سعود قد تلقي أقسى ضربة أضعفته كثيرا في حينها.

في هذا السياق كان الكابتن شكسبير الذي أصر على الحضور بصفته مراقباً مهتماً بالأمر وعلى الرغم من نصيحة أصدقائه ومضيفه بأن يبتعد عن جو المعركة لقي نهايته الأليمة، وتختلف الروايات بشأن ظروف موته ولا توجد رواية واحدة دقيقة. وإلى أن ينجلي غبار المعركة ونتمكن من التوصل إلى مصادر يعتمد عليها من كلا الجانبين بناءً على شروط السلام، فإنه من الصعب التيقن الآن بتأكيد رواية أو أخرى.

ذلول ابن رشيد

وعود إلى الحديث عن المعركة: كان رجال قبيلة مطير على مسافة بعيدة عندما بدأ القتال، وعندما اقتربوا وسمعوا صوت الطلقات التفوا في البدء حول ميدان المعركة من الجهة الجنوبية ثم تحركوا إلى أن وصلوا إلى مؤخرة قوات قبيلة شمر، حيث كانوا قد تركوا إبلهم التي استولى عليها المطران وحصلوا على غنائم كبيرة، ثم عادوا إلى موطنهم وذهبوا إلى ابن سعود المنسحب، وقالوا له: «لماذا انسحبت؟ انظر لقد أسرنا ذلول ابن رشيد نفسه!»... وبالفعل كانوا قد فعلوا ذلك.

ويلاحظ من خلال هذا التاريخ الموجز للخلافات القبلية أن البدور قاموا على الدوام بإنقاذ الظفير من الكوارث، وبالفعل يدين الظفير للبدور بكل شيء. وهناك قبائل معينة مثل الأزيرج يعَّدون مقاتلين متميزين على أرضهم ولكنهم ضعفاء في الميادين الخارجية، والأمر ليس كذلك بالنسبة الى البدور فهم في أرضهم أو في خارجها يظهرون القدر نفسه من الجرأة. إن لهم طابعا خاصا في القتال يميزهم: فهم يتجمعون تحت لواء قائدهم في مواجهة العدو المشترك متناسين خلافاتهم الداخلية ويتسم قتالهم إلى حد ما بالوحشية، ويختلف الأمر مع قبيلة أخرى مماثلة، وهي قبيلة الجوارين التي لا يجد رجالها حالياً زعيماً يلتفون حوله عند الحاجة، وكذلك الأمر مع الزيَاد الشجعان كمقاتلين؛ فهم منشقون إلى أقسام كثيرة لا وحدة بينهم، لدرجة أن المرء لا يتصور أنهم يتجمعون تحت راية واحدة.

مصدر المؤامرات

معظم رجال قبائل الشامية قد شارك في واحدة أو أكثر من هذه الغارات أو المعارك الكثيرة، وتلك المعارك سطَّر سجلها: الظفير والبدور والجوارين وآل غزي والزياد، ولكن الأبطال في هذه المعارك القبلية هم الظفير والبدور، وهو تحالف عجيب، لافت للنظر بين قبيلة بدوية من أصحاب الإبل (الظفير) وقبيلة بدوية من المنتفق من أصحاب الأغنام (البدور)، وكلتا القبيلتين نشأتا على عداء دموي ضد عدو مشترك هو عجمي السعدون.

وحتى يتم إزالة ذلك الشخص من صحراء الشامية سواء بالإغراء أو بالقوة فإنه سيظل -على الرغم من عدم أهميته العسكرية- مصدراً مزمناً للمؤامرات ومركزا للقلاقل؛ وعليه فهو مصدر إزعاج لنا ومكسب ثمين للأتراك. وهذا أمر أكيد لدرجة أنه يقال إن ابن رشيد يتنافس مع عجمي لنيل رضا الأتراك، وفي الوقت نفسه فإن العلاقات ما بين الاثنين متوترة جداً، وربما يعود ذلك إلى أنهم أدركوا عدم التناسب بين هذين العنصرين.

استمالة الزياد

ودعا الأتراك ابن رشيد لكي يضايقنا (الإنكليز) في صحراء الشامية، لكنهم طلبوا منه أخيرا العودة إلى حائل والانتظار حتى تأتي فرصة أفضل للقيام بزيارة ثانية إلى العراق، وبالنسبة الى عجمي فقد استمال قبيلة الزياد القوية إلى جانبه، وهي لا تستطيع أن تسامح شمر بأي ثمن.

ويقال الكثير عن سطوع نجم عجمي حتى أنه على الرغم من أن ابن رشيد قد ترك الأمر فإن أتباعه الذين بقوا في العراق على صلة وثيقة بعجمي أكثر من صلتهم بسيدهم القديم (ابن رشيد)، وحتى ضاري بن طواله الذي يعرف عجمي وشوهد معه قبل عام فقد أشاد بشخصية عجمي بتردد قائلا: عجمي عبارة عن «نفر» تحسب لشخصيته الحساب.