Ad

أستاذ عبداللطيف... إذا كنت تعتقد أن الحرية والعدالة والمساواة، ستستقيم في ظل غياب مجلس الأمة، فيؤسفني أن أقول لك إنك «واهم»... وإذا كنت تظن أنك ستمارس حرية الكلمة في زاويتك، وتكتب ما تشاء وتنتقد مَن تشاء، تصريحاً لا تلميحاً، إذا ما عُطّلت الحياة النيابية، فقد جانبك الصواب.

قلنا وأكدنا أكثر من مرة، إن هناك فرقاً بين مجلس الأمة كمؤسسة تشريعية، والممارسة النيابية، بمعنى أنه إذا كانت هناك تصرفات أو نهج خطأ لعدد من النواب، يدخل في إطار التجاوز أو الفساد، وغيره، فلا يجب أن يكون ذلك مبرراً لتحميل المؤسسة التشريعة وزر سلوك أعضائها.

ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة، هي مرحلة خلط المفاهيم، والقفز على الحقائق، التي بات عدد من الكتّاب والمثقفين يدفع باتجاهها ضد مجلس الأمة والمطالبة بحله حلاً غير دستوري.

لست هنا بصدد التذكير بالكوارث التي حلت بنا في فترات تعليق الدستور، فابني «محمد» ذو السنوات التسع، بات يحفظها عن ظهر قلب، ولا أنا في وارد الدفاع عن المؤسسة البرلمانية، فللمجلس «دستور يحميه»، بل للدفاع عن حقوق جيل كويتي كامل يريد بعضهم مصادرتها ونسفها بعد أن تفيؤوا في ظلالها ردحاً من الزمن.

لماذا يطالب كاتب مثل الأستاذ عبداللطيف الدعيج، مثلاً، بحل المجلس حلاً غير دستوري، ألم يسجن الدعيج بعد تزوير انتخابات 1967 لدفاعه عن الديمقراطية وإيمانه بها؟ ما الذي تغير الآن؟

المعطيات كلها واحدة في ذلك الوقت وفي وقتنا الحاضر، لم يتغير شيء، الدستور هو الدستور، والمجلس هو المجلس... نعم الممارسة النيابية في بعض مراحلها انحرفت، والمخرجات الانتخابية تغيرت، ولم تأت ِعلى أهوائهم... هذا كلام صحيح، ولكن غير المقبول هي ردة الفعل من قبل بعضهم الذي صمّ أذاننا متغنياً بالحرية والتعددية، وعندما جاءت خيارات الشعب في غير مصلحتهم انقلبوا على مبادئهم وقناعتهم، إنه لأمر مؤسف أن تحرق تاريخك ككاتب وسياسي بالانضمام إلى تلك «الجوقة» المشبوهة.

عدد غير قليل ممَن يصفون أنفسهم بالكتّاب الليبراليين أو التقدميين أو الوطنيين باتوا يمارسون دور المحرض على المجلس، لكنني ذكرت الدعيج بالاسم لأنني لا أشك في دوافعه ونواياه، أما الآخرون من أصحاب ذلك الطرح فأهدافهم معروفة ونواياهم مكشوفة بحكم قربهم من السلطة.

أستاذ عبداللطيف... إذا كنت تعتقد أن الحرية والعدالة والمساواة، ستستقيم في ظل غياب مجلس الأمة، فيؤسفني أن أقول لك إنك «واهم»... وإذا كنت تظن أنك ستمارس حرية الكلمة في زاويتك، وتكتب ما تشاء وتنتقد مَن تشاء، تصريحاً لا تلميحاً، إذا ما عُطّلت الحياة النيابية، فقد جانبك الصواب. والمفترض أنك أول مَن يدرك هذه الحقيقة، هذا مثال بسيط عن المستقبل «المظلم» الذي تدفعوننا باتجاهه.

انظروا إلى أسماء أغلب المُنادين بالانقلاب على الدستور - هذا فهمي لأي دعوة إلى الحل غير الدستوري - هم من «ديناصورات» الصحافة، استنزفوا أفكارهم، وأفلسوا فكرياً وسياسياً، بعد أن مارسوا حقهم بموجب الدستور في الكتابة والعمل السياسي لعقود، فجاؤوا اليوم ليصادروا ذلك الحق على جيل كويتي شاب يريد أن ينعم بمؤسساته الدستورية وحقوقه وحرياته التي كفلها له دستور 1962.

قد يختلس نائب، وقد يسرق، وقد يتعسف، وقد يمارس بعض النواب نوعاً من التضييق على الحريات... هذا كله أمر وارد ومشاهد، لكن ذلك لا يجب أن يتيح لأحد - أياً كان- أن يلعب دور المحرض على مكتسبات الشعب الدستورية، لأنه هنا يدفع باتجاه زعزعة أمن واستقرار البلاد، فضلاً عن مخالفته توجهات وتأكيدات سمو الأمير بأن حل المجلس حلاً غير دستوري ليس وارداً في خيارات سموه.