أنا محجبة إذن أنا محتشمة!
إن فكرة الحجاب وفلسفته قد صارت مضطربة جدا عند الناس، حيث ابتعد عن معناه الجوهري وأصبح مجرد حالة شكلية خارجية، تحولت وتغيرت مع الأيام تحت ضغط عدم الإيمان وعدم الاقتناع إلى هيئات ابتعدت وبشكل صارخ عن الحشمة.
العبارة أعلاه ليست صحيحة دائما كعبارة ديكارت الشهيرة «أنا أفكر، إذن أنا موجود» فمن يفكر فهو موجود بالضرورة، لكن من تتحجب فهي لا تحتشم بالضرورة!أعرف أن هذه الفكرة قد تكون مزعجة شيئا ما للبعض، لكن مع الشرح سيبين المقصود. في البدء سأقول إن كلمة الحجاب صارت اليوم من الكلمات الحمالة الوجوه والمعاني، وكذلك وجوهها ومعانيها ملتبسة بدورها، لذا فمحاولة الوقوف على أرضية مشتركة بخصوص المقصود منها ليست بالأمر الهين. خذوا عندكم، هل المقصود بالحجاب صيغته المادية المظهرية، وعليه سنتساءل: أهو تلك الخرقة التي تضعها المرأة على رأسها لتغطي شعرها؟ أم أنه الغطاء الكامل لجسد المرأة كي لا يبين منها شيء؟! أم أننا نقصد به شيئا يجمع ما بين الصيغة المادية، بأي هيئة كانت وفقا للرأي الشرعي المتبع، والبعد المعنوي الذي يراد منه الاحتشام؟! منطقيا، أظننا سنقول إن المقصود من غطاء المرأة هو الاحتشام، لأن الحجاب ليس دلالة رمزية مجردة، أليس كذلك؟ وبالتالي سنقول أيضا إنه لا فائدة من غطاء تتشح به المرأة ليفضي إلى هيئة غير متوافقة مع الاحتشام أو أن يكون مصحوبا بتصرفات وسلوكيات غير محتشمة، لأنه سيكون ناقصا أو بلا فائدة البتة كونه تناقَضَ مع الجوهر المراد منه.حسنا... بالأمس القريب، وفي إحدى الجهات العامة، كانت الموظفة ترتدي غطاء للرأس، ونقابا يغطي وجهها، وعباءة طويلة تجرها من خلفها، ولا اعتراض عندي على هذا، بل تستحق عليه التحية إن كانت تؤمن بأنه الشكل الشرعي الصحيح، لكن المفارقة أن أظافرها كانت مصبوغة باللون الأخضر (إي والله أخضر فاقع) والذي كان لافتا للأنظار بشكل واضح. شعرت إزاء هذا المشهد بأن هناك شيئا خاطئا في المسألة، وأنه نابع من الارتباك في مفهوم الحجاب وفلسفته عند هذه الأخت، هذا إن كانت عندها فلسفة للحجاب أصلا!هذا المشهد قد يبدو بسيطا لاسيما إن نحن تذكرنا كيف أننا كثيرا ما نشاهد نساء يضعن على رؤوسهن قطعة من قماش، يسمينه حجابا، ويخرجن في نفس الوقت من جوانبها خصلات ملونة من شعورهن! وكذلك كيف أننا كثيرا ما نشاهد من يرتدين أغطية للوجه، يسمينها نقابات، في حين أنه قد بانت عيونهن مزدانة بالكحل وظلال الماكياج واصطبغت وجوههن بكريمات الأساس، وأضفن إلى المشهد عباءات ضيقة، بل قد وصلت الحال إلى أن تغطي بعض الفتيات شعورهن، بينما يرتدين في نفس الوقت قمصانا ضيقة وبنطلونات جينز، أو حتى تنورات قصيرة تكشف عن سيقانهن!ليس المقصود من الكلام أعلاه مجرد وصف ما وصلت إليه هيئات من يقلن إنهن محجبات، بقدر الوصول إلى أن فكرة الحجاب وفلسفته قد صارت مضطربة جدا عند الناس، حيث ابتعد عن معناه الجوهري وأصبح مجرد حالة شكلية خارجية، تحولت وتغيرت مع الأيام تحت ضغط عدم الإيمان وعدم الاقتناع، خصوصا بصوره المتشددة، وتحت وطأة العادات والتقاليد التي لا تحتمل النقاش، ومع شطحات الموضة القادرة على اختراق كل الحصون، إلى هيئات ابتعدت وبشكل صارخ عن الحشمة.أردت من هذا المقال الدعوة إلى إعمال الفكر وتمحيص نظرتنا تجاه الحجاب وتجاه معانيه الحقيقية الجوهرية، ولعلها كذلك دعوة إلى إعادة تقييم كل من تضع على شعرها أو وجهها وجسدها غطاء على معيار الاحتشام الحقيقي لنعرف إن كانت محجبة فعلا أم لا!