الأخلاق والدين (1)

نشر في 17-10-2008
آخر تحديث 17-10-2008 | 00:00
 إيمان علي البداح الأديان والشرائع والقوانين الوضعية جاءت لتعرِّف العمل الأخلاقي وتميِّزه عن الإجرام والرذيلة. ولكن حتى الأديان لم تتفق فيما بينها فيما يعد مقبولا أو أخلاقيا.

رغم أن الأخلاق من أقدم المواضيع التي شغلت بال الفلاسفة والمفكرين، فإنهم حتى يومنا هذا لم يتوصلوا إلى تعريف موحد لماهيتها. المتفق عليه أنها تطبيق لمجموعة من القيم التي تتفق عليها مجموعة ما في زمن ما لتؤطر وتعزز علاقاتها وشعورها بالأمان وتعرِّف ما هو مقبول وما هو غير مقبول لأفرادها. لذا، فإن الأخلاق نسبية ومتغيرة وتختلف من مجموعة لأخرى وربما حتى ضمن المجموعة الواحدة.

وحتى يقوم الفرد بعمل أخلاقي لابد من توافر عاملين رئيسيين: الرغبة في القيام بما هو صحيح ومعرفة ما هو صحيح وما هو خطأ. ولا يمكن أن يكون عمل ما أخلاقيا من دون شرطي الرغبة والمعرفة. فالرغبة بحد ذاتها لا تضمن أن يكون تصرف ما أخلاقيا. على سبيل المثال قد يعرف أحدهم الأخلاق بمساعدة الآخر في كل الظروف وعليه يرى أن مساعدة زميله أثناء الاختبار هو عمل أخلاقي. ولكن رغم الرغبة الصادقة لا يمكن أن نقبل بالغش كعمل أخلاقي.

وهنا يأتي دور الأديان والشرائع والقوانين الوضعية. فقد جاءت لتعرِّف العمل الأخلاقي وتميِّزه عن الإجرام والرذيلة. ولكن حتى الأديان لم تتفق فيما بينها فيما يعد مقبولا أو أخلاقيا. فالزواج من أكثر من واحدة مقبول أخلاقيا في الإسلام ولكنه محرم في المسيحية. في حين تُحل بعض الطوائف المسيحية شرب النبيذ بينما يحرمه الإسلام. والأمثلة كثيرة على الاختلاف الأخلاقي بين الأديان وحتى بين المذاهب المختلفة ضمن الدين نفسه. الأهم أن الحلال والحرام الدينيين قد لا يتفقان مع المعيار الخاص أو حتى الاجتماعي لما هو أخلاقي. فعلى سبيل المثال لا الحصر لأغلب المذاهب الإسلامية شكل من أشكال الزواج المؤقت الحلال كالمسيار والمتعة وغيرهما. ولكن كثيرا من المسلمين لا يقبل بهذا النوع من الزواج لبناته رغم الإباحة. مثال آخر هو إرضاع الكبير وزواج الأطفال كفتاوى تعطي غطاءً دينيا، ولكن يرفضها الكثير لعدم انسجامها مع مقاييسهم الأخلاقية الخاصة أو الاجتماعية.

من ناحية أخرى، فإن حتى من يسعون إلى اتساق نظامهم الأخلاقي مع الديني لا يجدون أجوبة شافية، وذلك لأن بعض الحلال والحرام دينيا غير واضح وأحيانا غير متفق عليه، وفي كثير من الأحيان يكون نسبيا أيضا كما القوانين الوضعية. فإذا عدنا إلى مثال الغش نرى أن الأديان كلها تتفق على تحريمه، ولكنها تتفق أيضا على الاستثناءات كالغش في الحرب والدفاع عن النفس. وقتل النفس مثال أكبر وأوضح. فرغم أن قتل نفس بغير حق يعد من الكبائر، فإن مراجع الإرهابيين الإسلامية تحل لهم إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء في «سبيل الإسلام والدعوة».

لذا، فإن الأديان بحد ذاتها مثلما القوانين لم تكن كافية قط لتحدد أو تخلق فهما واضحا لما هو الأخلاقي. فماذا عن الركن الآخر للأخلاق: الرغبة؟ هذا ما سنتطرق إليه في الجزء الثاني من هذا المقال.

back to top