الرقابة التي تمارَس على المطبوعات والنشر بشكل عام في دولة الكويت ليست فقط غير دستورية بل غير قانونية في معظمها، كما ذكر الزميل مظفر عبدالله في مقالته «معرض الكتاب ورقابة الأوقاف» بتاريخ 19 نوفمبر. هذا بالإضافة بالطبع إلى كونها غير منطقية ولا حضارية. وهي نتاج عقلية التسلط والوصاية نفسها التي تدير أزمتي الحكومة والمجلس حاليا، وكارثة أوضاعنا الاقتصادية.

Ad

أقول هذا ردا على تعقيب رئيس جمعية مقومات حقوق الإنسان على الاعتصام ضد الرقابة الذي أقيم على هامش معرض الكتاب يوم السبت الماضي. فما يسميه رئيس هذه الجمعية «بالضوابط الشرعية» لحرية الرأي والتعبير هي ضوابط انتقائية ونسبية لا يحق له أو لغيره تحديدها. فما يُعَد «إثارة للطائفية والكراهية» قد يكون كتب السلف كلها في رأي إخواننا الشيعة. وما يُعَد «تعديا على الثوابت العقائدية» قد يكون كتب المسلمين كلها في رأي إخواننا المسيحيين. وهذا ينطبق حتى على الكتب العلمية والفلسفية والطبية التي يختلف كثيرون في مدى إثارتها «للخصوصيات الثقافية والاجتماعية» و«القيم الأخلاقية والمقدسات الدينية»، والأمثلة على ذلك لا تحصى. فهل يعد مزار السيدة زينب أو سيدنا الحسين من المقدسات الدينية أم لا؟ ماذا عن الكتب الإسلامية التي تصف بالتفصيل الممل كيفية التعامل مع ليلة الدخلة وتباع للمراهق والطفل والأعزب؟

وأكثر ما يحتمي به أصحاب هذا الفكر هو حماية «الذات الإلهية» و«حب رسول الله (ص)»، وهي بالنهاية مواقف ناتجة عن مشاعر النخوة والغيرة على ما يشكل صلب معتقدات المسلمين كلهم. وهي وإن كانت مشاعر نبيلة وطبيعية، فإنها تتطلب وقفة موضوعية لمراجعة مدى صحة العمل بها.

عندما يعتدي أحد ما على طفلي أو على جدتي فيجب دون تفكير أن أقف لأحميهما من الإساءة لأنهما بحكم السن والحجم بحاجة إلى حمايتي. أما إذا تعرض أبي أو زوجي لإساءة ما، فإنني سأعتمد عليهما في الدفاع عن أنفسهما لأنهما عاقلان بالغان قادران على حماية أنفسهما. بل سيكون من غير المستحب أن أرد أو أدافع بحضرتهما ودون طلبهما، وقد يعتبر ذلك حطا من قدرهما وشكا في قدراتهما. فما بالك إذا كنا في حضرة الله عز وجل؟ هل بلغ فينا الغرور أن نعتقد أن الله- والعياذ بالله- بحاجة إلى نصرتنا أو دفاعنا وهو العلي القدير؟

أما الغيرة التي نُسَلِّم- كعرب بشكل عام- بأنها من أشكال الحب، فهي حسب الأبحاث النفسية الموضوعية كلها مؤشر لضعف الثقة بالنفس أو العلاقة أو كليهما. وهي أسلوب دفاع عن الذات قبل أن يكون دفاعاً عن الآخر، ومنبعها أناني بحت رغم رغبتنا بتصديق غير ذلك. فالادعاء بالغيرة على الدين أو القيم أو الأخلاق هو في باطنه خوف من الرأي الآخر وشك في مدى صدق الإيمان. وهل يحتاج الدين لحماية ضعاف القلب والحجة؟

ولكن ماذا عن الكتب التي تتعمد الإساءة أو الكتب التي تشكل خطرا فعليا على المجتمع؟ كالكتب التي تحمل معلومات خاطئة أو تحرِّض على القتل والإرهاب أو تتعرض بالسب المباشر للأشخاص والمعتقدات؟ هنا يأتي دور القانون و القضاء المستقل (بعد النشر- وليس الرقيب قبل النشر) حيث يملك الطرفان- الكاتب والمجتمع- فرصة عادلة في الدفاع عن آرائهما. كما أن الرد الأفضل هو بالكتاب المضاد للفكرة والذي يُمحِّص بشكل علمي وموضوعي الحجج الخاطئة ويترك الخيار للقارئ. كلاهما خياران أكثر موضوعية وحضارية من الاعتماد على تقييم مراقب لم يكد يكمل الشهادة الثانوية في أحسن حالاته.