الشرق الأوسط بخير رغم الأهوال كلها

نشر في 09-07-2008
آخر تحديث 09-07-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي عندما أقرأ الكثير من التعليقات السياسية السلبية، التي تُكتب في الشرق أو الغرب، عن الشرق الأوسط، أعجب، وأستغرب، وأطرح ما كنت أقرأ فيه جانباً قبل إكماله، وأترك العنان لعقلي وتأمّلاتي لكي تأخذ مكانها، وتمارس دورها، وأبدأ أفكر فيما أقرأه، وأطرح على نفسي سؤالاً واحداً:

- هل حقاً أن العالم العربي على وجه الخصوص والشرق الأوسط على وجه العموم، مهدد بالدمار والفوضى، وأنه يتأخر ويعود إلى الوراء، ويزداد تخلفاً، وجهلاً، وفقراً، وضلالاً، نتيجة لما يجري في العراق مثلاً؟

نحن نتقدم فعلاً

أنا متفائل بطبعي، حتى لو رأيت أن العالم العربي كله، قد تحوّل إلى محرقة مهولة، لكني في السنوات الخمس أو الست الماضية، أرى أن العالم العربي على وجه الخصوص، قد تقدم خطوات كبيرة، وكثيرة، وواسعة، وأصبح المستقبل لليبرالية، والحداثة، والعَلْمانية، قريباً أكثر من أي وقت مضى، والسبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل، منها:

-1 أن كارثة 11/9/2001 قد نبهت الغرب، خصوصاً أميركا، إلى ضرورة الالتفات والانتباه بدقة، إلى ما يجري في الشرق الأوسط والعالم العربي عموماً، وكان الغرب، وكانت أميركا على وجه الخصوص، لا تعرف العالم العربي معرفة جيدة، فأوروبا كانت تعود في معرفتها للعالم العربي إلى «ألبوم» صورها القديمة في العالم العربي، التي تعود إلى ثلاثين أو أربعين سنة ماضية. وأميركا كانت تعرف العالم العربي، من خلال تقارير سفرائها في هذه المنطقة، أما معرفة العالم العربي عن قرب، وبمشاهدة العين المجردة والآذان المفتوحة، فلم يتوافر ذلك إلا بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومثاله القريب قيام وزيرة الخارجية الأميركية بزيارة المنطقة ست مرات، خلال هذا العام فقط!

-2 وكارثة 11/9/2001، كانت سبباً رئيساً وجلياً، لكي يعرف الشرق والغرب ما هو الإرهاب، وما معنى الإرهاب، فصحيح أنه سبق هذه الكارثة حوادث إرهابية متفرقة في العالم العربي هنا وهناك، كاغتيال رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا عام 1949، واغتيال الملك عبد الله الأول في القدس عام 1951، واغتيال الشيخ الذهبي عام 1977، واغتيال الرئيس السادات 1981، واغتيال فرج فوده عام 1992، ومحاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا 1995، وغيرها من حوادث الإرهاب المتفرقة. لكن هذه الحوادث الإرهابية، ظلت محصورة في نطاق الشرق الأوسط، ولم تخرج مدويةً إلى الإعلام العالمي والرأي العام العالمي، كما حصل عندما وقعت كارثة 11/9/2001، التي فتحت سراديب العالم العربي المظلمة كلها، لكي تخرج منها الأفاعي والعقارب والغربان جميعها، التي كانت تسكن في تلك الأقبية المعتمة، وتظهر على حقيقتها.

-3 كان اللصوص في الدار، ولكن أحداً لم ينتبه إليهم، وعندما هدموا أحد جدران دار العمدة، تنبه أهل الدار ومَن حولهم إلى وجود اللصوص، الذين كانوا أشبه بالأشباح الأسطورية، وبدأ أهل الدار جميعاً بالبحث والحفر عن مخابئ هؤلاء اللصوص، الذين كانوا يتحوّرون ويتحولون من شكل إلى آخر ومن صيغة إلى أخرى، كما تتحوّر بعض الزواحف والهوام. وتيقن العالم كله، بأن هناك خطراً أكيداً يتهدده، وأنها مسؤولية الجميع وليست مسؤولية دولة أو دولتين أو ثلاث، لمحاربة هؤلاء بالسلاح، والعلم، والفكر.

خمس سنوات سمان وليست عجافاً

يعتقد كثير من المعلقين في الشرق والغرب، أن السنوات الخمس أو الست التي أعقبت كارثة 11/9/2001، كانت سنوات عجافاً في العالم العربي خصوصاً. وأن العالم العربي قد خضع أكثر من ذي قبل للأصولية الدينية، التي أنتجت هذه القوافل من الإرهاب، التي نراها كل يوم، تختفي وتزول في جهة، لتظهر وتبرز في جهة أخرى، وأن العالم العربي، نتيجة للتاريخ، والجغرافيا، والاجتماع، والمتدينين المتشددين، أصبح مكمناً وبؤرة لتفريخ عناصر الإرهاب في العالم، لذا، فإن الغرب وعلى رأسه أميركا، لم ينتظر من العالم العربي، لكي يعرف بنفسه طريق الصواب لمحاربة الإرهاب، وإشاعة الحرية والديمقراطية، فأعتقد أن فرض هذا بالقوة العسكرية، هو الطريق الأنجع لذلك، حتى لا تتم سيطرة الحكومات أو الأنظمة الدينية على مصادر الطاقة، مما يعني تدمير الاقتصاد العالمي، وتدمير العالم بالتالي. فقامت أميركا بغزو العراق لهذا الغرض، وكانت قد قامت قبل ذلك بغزو أفغانستان. صحيح، أن العراق قد خسر الكثير ولمدة محدودة، من جرّاء الغزو الأميركي، لكنه كان سيخسر أكثر بكثير وربما لعشرات السنين، من جرّاء بقاء «دُمَّل» الدكتاتورية المتقيّح في جسده، وكان لزاماً عليه أن يتقبل إجراء هذه العملية الجراحية المؤلمة، لإزالة ذلك «الدُمَّل المتقيح»، وهو ما لم يعتَد عليه العرب طوال تاريخهم الممتد. فكان الألم عظيماً، والوجع عميقاً، والتضحيات هائلة، غير مسبوقة. وكان العرب يفضلون الصبر على ألم «دُمَّل الدكتاتورية المتقيح» طويلاً، والصبر على المعاناة من آلامه، من أن تُجرى للعراق تلك العملية الجراحية المؤلمة بالمبضع والمستشفى الأميركي خصوصا، لكن حالات المرض الشديدة، والمميتة، لا يشفيها للعرب غير جراحين غربيين، وكم من عَلَم عربي في السياسة والثقافة والدين والاقتصاد، يقصد الغرب كل يوم للاستشفاء، والبُراء؟

وما حصل في العراق هو استشفاء وبُراء جماعي، للعراق والعراقيين كلهم، مما كانوا يعانونه.

إذن، فالعراق الآن رغم تلك التضحيات كلها، ورغم الجراح جميعها، ورغم هذه الخسائر كافة، أفضل مما كان عليه، أو ما سيكون عليه، مع بقاء «دُمَّل الدكتاتورية المتقيح».

ولو تركنا العراق، لوجدنا أن العالم العربي كله بفضل كارثة 11/9/2001 ، وبفضل غزو العراق 2003 ، قد خطى خطوات إلى الأمام لم يكن ليخطوها بهذه السرعة، لولا أنه عاش في السنوات الأخيرة على سطح صفيح أحمر ملتهب، كانت سخونته ناتجة عن هذين الحدثين العظيمي التأثير في التاريخ العربي المعاصر.

فنرى الآن، كيف أن الانتخابات في بلدان عربية، والتي كانت معطَّلة قبل عام 2001 وعام 2003 قد أجريت، وأن مساحة الحرية لإبداء الرأي الليبرالي قد زيدت، ورغم علو صوت الأصولية الدينية، فإن هذا الصوت، قد قابله علو صوت الليبرالية أيضاً، التي أصبح لها منابر مختلفة لم تكن موجودة في السابق.

دعوا الأصولية الدينية تحكم

ولكن النتيجة الإيجابية العظمى، التي نالها العالم العربي بعد 2001، 2003، هي انكشاف الغطاء عن دُبر الدولة الدينية، التي تدعو إليها الأصولية الدينية، حيث لم يعرف العالم العربي بشاعة حكم الأصولية القومية، إلا بعد القضاء على الأصولية القومية في العراق، في التاسع من نيسان 2003. وكان هذا الدرس موجهاً للأصوليات القومية كلها الحاكمة في العالم العربي. ورغم محاولة الأصولية الدينية السياسية في العراق، أن تحل محل الأصولية القومية السياسية. فليكن ذلك، ففي هذا نهايتها. فالقضاء على الأصولية الدينية السياسية، لا يتم إلا بإتاحة الفرصة أمامها لكي تتولى الحكم.

نعم، دعوها تحكم في عالم القرن الحادي والعشرين بمنطق القرن السابع الميلادي، وستكون نهايتها في حكمها، وقبرها في سلطتها. ولكي تحكم لابد من انتخابات ديمقراطية في العالم العربي. وحال إجراء انتخابات ديمقراطية في العالم العربي، ستنجح الأصولية بأغلبية ساحقة. فدعوها تحكم وتكشف عوراتها. ولو تم ذلك في الجزائر على إثر انتخابات عام 1990، لما حصل ما حصل من مذابح، ولتبين للناس مدى فشل الأصولية الدينية، وتهافت خطابها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فدعوا الأصولية تحكم كما حكمت إيران، وكما تحكم الآن غزة، وكما تحكم جمهورية ولاية الفقيه في جنوب لبنان. ولتكن النتيجة كما هي في إيران وغزة وجنوب لبنان الآن. وهذا ما قاله محمد عبد الباقي الهرماسي المفكر التونسي في كتاب («الديمقراطية في الشرق الأوسط: توضيح التحدي»- ص44) الذي صدر بالإنكليزية عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فنحن لن نتخطى مرحلة ما لم نمر بها، وإذا قفزنا عليها، فلا يعني أننا تجاوزناها. فلو لم تحكم النازية والفاشية والعسكرتاريا في ألمانيا وإيطاليا واليابان، لما عرف العالم مخاطر الدكتاتوريات على حقيقتها.

* كاتب أردني

back to top