حسب إحصائية رسمية نشرتها «الجريدة» في عددها الصادر أمس فإن حوالي ربع مليون شخص غادروا البلاد خلال الأيام العشرة الماضية، مستفيدين من عطلة عيد الأضحى التي فضلوا قضاءها بعيدا عن الكويت، فماذا يعني هذا الرقم؟

Ad

تفيد الإحصائية التي نشرتها «الجريدة» عن مدير الإدارة المركزية لتنفيذ إجراءات الدخول والخروج بوزارة الداخلية العقيد عبيد أبو صليب، أن عدد الذين غادروا البلاد خلال عطلة العيد 5- 13 ديسمبر بلغ 247501 شخص.

ما يهمني في هذا الرقم دلالته، فوسط حديث متلاحق عن الأزمة المالية، وخسارة المساهمين في سوق الأوراق المالية نسب مرعبة من رؤوس أموالهم، إضافة إلى حديث عن تصفية القطاع الخاص لعدد من موظفيه، لم يجد ربع مليون شخص غضاغة من الابتعاد عن الكويت بهدف الترفيه، والبعد عن الأزمات المتلاحقة التي تزيد من الإحباط والتوتر.

شخصيا كنت عوداً من حزمة بلغت ربع مليون عود مثلي، ولا أخفيكم سرا إذا قلت إن الكآبة التي تعتري وجوه الكويتيين في مطار دبي الدولي كلما اقترب موعد عودتنا للوطن، كانت كفيلة بتمييزهم عن بقية المسافرين، وحينما سألت أصدقائي الذين قصدوا مطارات أخرى، أكدوا لي الملاحظة نفسها.

الكويت تحولت إلى بلد طارد للفرحة، ومصدر مهم للسياح الذين يقصدون دول العالم بحثا عن الترفيه والسعادة، والرقم أعلاه دليل على ذلك، وأنا متأكد أنه كان قابلا للارتفاع لو قيِّض لمطار الكويت استيعاب طائرات أكثر، وتوافرت الحجوزات للأسر التي وجدت نفسها «مضطرة» للجلوس في الكويت.

الكويت منذ أن سلمت رقبتها إلى التيار الديني، زاد فيها الفساد، وارتفعت بها معدلات الجريمة، وانتشرت المخدرات، وتفشت الرشوة في قطاعها الحكومي، واختلت تركيبتها السكانية، وتراكمت فيها أعداد العمالة الهامشية، وتعطلت فيها التنمية، والمهم في حالتنا، أن أعداد المغادرين منها زادت بلا ريب، كل هذا بفضل التيار الديني ووصوله إلى مفاصل القرار الكويتي، وعليه من غير المستغرب أن نجد حوالي ربع المليون «ينفذون» بجلدهم من البلاد، كلّما تسنح لهم الفرصة.

خلال العطلة الماضية أقسمت أن أبتعد عن جميع مصادر الأخبار القادمة من الكويت، فأقفلت هاتفي النقال، وأودعت كمبيوتري الشخصي خزانة الفندق، وودعت الصحافة الكويتية حتى الموجودة في المكتبات المنتشرة حولنا، وقررت الاستمتاع بالحياة، فقط بأن أفعل لا شيء، سوى أن أتأمل تلك النهارات والأماسي الجميلة، حاسدا من حولي على نعمة راحة البال التي هم فيها، وداعيا لهم بألا تسوقهم أقدارهم ذات يوم ليكونوا كويتيين.

الحياة من بعيد جميلة، فهناك أطفال ينتظرون أهليهم بلهفة عند محطات القطار، وجميلات ينتظرن أزواجهن على بوابات المطار، ومناخات أخّاذة، وأسر تسعد بعودة مسافريها، بينما نحن خلال الفترة الماضية، كنا نصارع الوقت لنجمع الفرحة المكثفة، بهدف اجترارها يوما ما، فقط لأننا كويتيون، وقدرنا في الحياة أن يسيطر على رقابنا التيار الديني الذي يعادي الفرح، أكثر من أي شيء آخر، فهناك وأعني بها دول العالم الأخرى، لا توجد حكومة لا تعرف ماذا تريد، وبرلمان يقوم بمهام التشريع والرقابة، ويحاول جهده التنفيذ والهيمنة على مصالح الدولة، إلى جانب رغبته الشديدة بأن يكون قاضيا على نوايا الناس.