آخر وطن: حبيباتنا... ذُكور!
لماذا يخاطب الشعراء حبيباتهم بصيغة المذكر؟! سؤال يشغل بالي منذ سنين ولم أتوصل إلى إجابة مقنعة له، لماذا نقول نحن الشعراء حبيبي بدلاً من حبيبتي؟!
تخيّل جملة مثل «اللي ردوفه ثقيله» تمر عليك عرضا من ضمن قصيدة طويلة تصف المحبوب وليس المحبوبة، وتتغزل بعيونه الكحيلة، ولين قدّه، وتدويرة نهوده، وحمرة شفايفه! نقرأ مثل ذلك في قصيدة لشاعر يتغزل بالحبيب بينما هو يقصد الحبيبة، وتمر تلك التعبيرات بسلاسة من دون أن تخرجنا الحالة «الذكورية» الحاضرة في القصيدة من الجو العام للقصيدة! معظم القصائد التي نقرأها تكاد تتجاوز «ظاهريا» بعض قصائد أبو نواس في الغلمان، حتى لكأنك أمام حالة شذوذ علني: «اللي حرمني مزة من شفاياه»، وليس «اللي حرمتني مزة من شفاياها»، طبعا أقصد المعنى لأن الوزن العروضي غير سليم في سياق القصيدة المعنية. كيف لا يؤثر هذا الموضوع سلبا في الحالة الشعرية عند الشاعر لدى كتابة القصيدة، وهو ينتزع أهم صفة للحبيبة وأقصد بذلك أنوثتها، ويخاطبها على أنها «ذكر»؟! وكيف أن إحساسه العاطفي لا يتأثر أيضا، بل إن إحساسه يستمر بتدفقه وانسيابيته؟! وكيف يستمر وجدانيا وشعريا في الدخول بالتفاصيل الأنثوية، ابتداءً من الجادل، مرورا بالنهود، وليس انتهاءً «بالردوف اللي يشتكي المحبوب من ثقلها»، المخاطب ذكر، والمقصود في كل تلك التفاصيل ذكرا، كيف لا يسبب ذلك أي تصادم أولَبْس لدى شعور الشاعر ولا المتلقي؟! كيف بدأت هذه الظاهرة؟! ومتى؟! ولماذ؟! وكيف استمرت عبر السنين؟! وما هي مبرراتها؟! حقيقة لا أعلم، ولعل القراء يشاركونني في إبداء آرائهم، وتوضيح ما خفي عليّ في هذا الموضوع. البعض يذهب إلى القول إن هذه الظاهرة بدأت لضرورات اجتماعية، حيث إن الشاعر كان يتجنب الصدام مع محيطه، المعبأ سلبا ضد الحب وضد ذكر المرأة في القصائد والتشبيب بها، ولا أدري إذا كان هذا الموقف منطلقا من احترام الشعر، أم احترام المرأة؟! مع قناعتي أن كلا المنطلقين سخيف وساذج، ولا يقلان سخافة ولا سذاجة عن هذا التبرير لنشوء هذه الظاهره، إذ أن هذا التبرير يعني بشكل غير مباشر أن محيط الشاعر في ذلك الوقت، كان مع تغزّل الرجل برجل آخر شعرا، لكنه ضد أن يتغزل الرجل بامرأة!! وعلى حد علمي أن هذا سلوك شاذ وغير سوي، وعلى حد علمي أيضا أنه ليس هناك مجتمع كامل اتصف بهذا السلوك المنحرف سوى «قوم لوط»، لذا أرى أن هذا التبرير لا يستحق الوقوف عنده طويلا، بالإضافة إلى أن هذا التبرير يذكرني بالجملة القديمة التي جاءت على لسان أحد الأغبياء عندما قال لصاحبه «يا فلان ترى الرجال حامل»! وكنا نضحك على غباء ذلك الرجل، الذي ظن بأن الآخرين لم يفطنوا بأن المقصود امرأة وليس رجلا، لكن الغريب أننا لا نضحك على نفس هذا الغباء عندما نمارسه شعرا حين نقول «أبو نهودٍ كنها التفاح»!