بعد أن رفض المجلس اقتراح «حدس» بشأن موضوع التحقيق، وصوتت الحكومة ضد اقتراحها، هل سينفذ نوابها تهديدهم باستجواب رئيس الوزراء؟ أم ستنكص على عقبيها وتؤثر السلامة، حتى لا تضر بعلاقتها الاستراتيجية مع السلطة؟
يروى في قصص الأمثال أن جماعة من أهل إحدى المدن في زمن الحكم العثماني، خرجوا يتظاهرون ذات يوم احتجاجاً على عزل الباب العالي أحد الولاة، وكان هؤلاء المتظاهرون يحملون السيوف والسكاكين، وتتقدمهم بعض الطبول والرايات، وهم ويرددون «إحنا جنودك يا وطن والموت فردة يمني» (حذاء رخيص الثمن كان يصنع في اليمن)، ولما ساروا بعض الوقت لاح لهم مركز للشرطة فأوقفهم رئيسهم، وصاح بهم «يا جماعة ارجعوا ترى هذا الطريق يوصل إلى الدرك، وإحنا ما نقدر عليهم»، فرجع القوم خوفاً من الدرك، فضحك الناس من فعلتهم وعرفوا حقيقتهم، وذهب شعارهم «إحنا جنودك يا وطن والموت فردة يمني» مثلاً للتهكم على من يدعي البطولة وهو ليس من أهلها.هذا المثل ينطبق على نواب الحركة الدستورية «حدس» الذين شحذوا أسلحتهم الكلامية وهددوا باستجواب رئيس الوزراء إذا لم يتم التحقيق في سبب إلغاء صفقة «الداو» من قبل مجلس الوزراء بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل المجلس الأعلى للتخطيط. للإنصاف مطلب «حدس» التحقيق في الموضوع مطلب عادل، حتى لو كان هدفه الدفاع عن وزيرهم السابق محمد العليم، فالكل يتساءل عن سبب موافقة المجلس الأعلى للتخطيط الذي يرأسه رئيس الوزراء على المشروع ثم إلغائه بعد عدة أيام من قبل مجلس الوزراء بعد تلويح التكتل الشعبي باستجواب رئيس الوزراء إذا لم يتم التراجع عن المشروع.إذا كان مطلب «حدس» عادلاً بضرورة التحقيق في ملابسات صفقة «الداو»، فإن الغريب أنها تريد أن تقصر التحقيق على هذه الصفقة فقط لتبرئة وزيرها، بينما تتحفظ على فكرة التحقيق في الشكوك التي أحاطت بمشاريع نفطية عملاقة أخرى مثل المصفاة الرابعة وحقول الشمال، ربما لأن الكثير من القيادات النفطية الذين سيطولهم التحقيق محسوبون عليها. ما المانع من أن تُشكَّل لجان تحقيق لكشف المستور عن المشاريع النفطية التي تحوم حولها الشكوك، حتى نعرف حقيقة ما يقال عن متنفذين «متنفعين» يقفون وراء محاولة تمرير هذه المشاريع المليارية لغرض الحصول على عمولات بمئات الملايين، أما أن تأتي «حدس» بقضها وقضيضها فقط للدفاع عن العليم، فهذا أبعد ما يكون عن المصداقية والشفافية التي تدعيها «حدس».الآن، وبعد أن رفض المجلس اقتراح «حدس» بشأن موضوع التحقيق، وصوتت الحكومة ضد اقتراحها، هل سينفذ نوابها تهديدهم باستجواب رئيس الوزراء؟ أم ستنكص على عقبيها وتؤثر السلامة، حتى لا تضر بعلاقتها الاستراتيجية مع السلطة، وهو ما ورد صراحة في الوثيقة المسربة لاجتماع الأمانة العامة لـ«حدس» الذي سبق جلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي؟ وهل سيواصل جمعان الحربش والشايجي وناصر الصانع طريقهم في وضع رئيس الوزراء على منصة الاستجواب حاملين السيوف والسكاكين، ورفع شعار «إحنا جنودك يا وطن والموت فردة يمني» اتساقاً مع «مواقفهم المبدئية»، أم أنهم سيجدون لهم مخرجاً، وهم أساتذة في إيجاد المخارج وتدوير الزوايا؟! شخصياً أنا أعتقد أن «حدس» ستتراجع عن التلويح باستجواب رئيس الوزراء لأنها «مو قد هذي المواقف»، ولذلك نقول للحكومة «أبشر بطول سلامة يا مربع».***تعليق: النائب د. جمعان الحربش معروف بالأدب والرزانة، لكنه في الفترة الأخيرة فقد توازنه، فدخل في سجالات كلامية حادة مع بعض زملائه النواب، تخللها التلفظ بألفاظ نابية واتهامات جارحة، ولذا يفترض بالنائب الحربش أن يراجع نفسه ويعود إلى اتزانه المعهود.
مقالات
حدس وحذاء اليمني
03-02-2009