ملخص الحلقة السابقة

Ad

• فساد السلطة التركية فتح الأبواب واسعا لسيطرة السلطة القبلية تحت حكم شيخ المحمرة من فخذ المحيسن المنحدر عن قبيلة بني كعب.

• الحدود السياسية لولاية البصرة العثمانية لا تتماثل مع الحدود القبلية المستقلة لشيخين عربيين عظيمين، هما شيخا الكويت (الخاضع للحماية البريطانية التامة) والمحمرة (الخاضع اسميا للسيطرة الفارسية).

• كان قاطنو المنطقة بين خوري الخورة وأبو الفلوس جميعهم من السُنّة ولم يجدوا غضاضة في قبولهم حكم الشيخ خزعل الشيعي.

• قوة النظام القبلي لم تتأثر باستيطان أسر عدة، وقلما حدثت زيجات بين الأفخاذ المختلفة.

• الشيخ خزعل ابتعد عن الأتراك في نهاية المطاف وترك الأمور في أيدي البريطانيين.

• أبناء المحيسن في البصرة كانوا يقضون جزءا كبيرا من السنة في العيش بالقرب من نهر الكارون للعناية بمحصول القمح حيث يذهبون إلي هناك في بداية موسم الصيف الحار لجني المحصول.

• الأهالي كانوا يذهبون إلى الشيخ خزعل لتسوية نزاعاتهم المدنية والجنائية وحتى حوادث القتل وتحديد دية القتيل، ولم يذهبوا قط للمسؤولين الأتراك.

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً إلى المكتبة العربية.

المترجم

التمرد ضد سلطان مسقط (مايو 1913 يوليو 1916)

ترجع أسباب التمرد ضد سلطان مسقط من ناحية إلى خلافات قديمة وعميقة الجذور، ومن ناحية أخرى إلى رد الفعل تجاه السياسة الأوروبية الحديثة في الخليج فيما يتعلق بالشؤون الداخلية لعمان (حسبما ورد على لسان غيرترود في «النشرة العربية» في أكتوبر 1916). والسبب الرئيس للخلافات والقلاقل من بين الأسباب المذكورة آنفا هو الصراع الغريب والمثير للاهتمام الناتج عن المنافسة الحادة منذ القدم في عُمان بين أهل القبلة وأهل الشمال، أي القبائل الجنوبية ذات الأصل اليمني والقبائل الشمالية المتحدرة من سلالة نزار بن معد والتى يمثلها على التوالي في عمان قبيلتا الهناوية والغافرية.

تأجيج الصراع

ورغم أن هاتين القبيلتين متماثلتان إلى حد كبير حسب التقسيمات القديمة ولم تكن علاقاتهما تتسم بوجود عناصر عداء واضح، فإن اندلاع الحروب الأهلية التي عصفت بعمان في القرن الثامن عشر ساهمت في إحياء العصبية القبلية والعداوة التي ترجع إلى أيام ما قبل النبي (ص). وبشكل عام فإن الغافريين أو النزاريين في الوقت الحالي موالون لسلطان مسقط بينما الهناويون أو اليمنيون مؤيدون للإمام.

المصدر الثاني الذي أجج الانقسام بين السلطان ورعيته بالداخل كان نقل العاصمة فى عام 1784 من الرستاق في وادي فرا إلى مسقط، وتم ذلك على يد حمد ابن الإمام سعيد بن أحمد. وسعيد هو ابن مؤسس أسرة البوسعيدى، وكان آخر إمام منتخب في عمان يمسك بمقاليد السلطة، وعند إجباره على التنحي لمصلحة ابنه الأكثر قدره، تُرك في الرستاق يحيا حياة بلادة وخمول، بينما نُقل مقر الحكومة إلى الساحل. وبهذا اطمأن حكام عمان إلى الحصول على إيراد سهل من الجمارك المحصلة مما يمكنهم من الحفاظ على هيبة السلطة من خلال الرشوة فقط.

وقد أعفاهم هذا من ضرورة الاعتماد على التوازن العسكري والسياسي للمحافظة على أنفسهم وأصبحوا معرضين للتأثيرات الأجنبية التي أبعدت عنهم تعاطف القبائل الموجودة فى الداخل.

عصيان الإباضية

القلاقل الجديدة (في عمان) ترجع إلى هذه التأثيرات الأجنبية وإلى اعتماد سلاطين مسقط على القوة البحرية والعسكرية الأجنبية وإلى الخضوع للمتطلبات الأجنبية في موضوع تجارة العبيد والأسلحة. ورأى السلطان الراحل/ السيد فيصل بن تركي في حظر الحكومة البريطانية تجارة الأسلحة فائدة عظيمة يجني هو ثمرتها حيث إن رعاياه المتمردين أصبحوا غير قادرين على تزويد أنفسهم بالأسلحة لكي يستخدموها ضده، وقبيل وفاته وصل السخط الذى سببه بين القبائل إلى مداه.

وقام الشيخ الأكبر للإباضية (الإمام سالم بن راشد الخروصي) التي ينتمي إليها معظم القبائل الهناوية بإثارة البلاد بخطبه ومواعظه، موضحا أن مخزن الأسلحة يستخدمه الإنكليز كوسيلة لحرمان قبائل عمان من الأسلحة الحديثة، وفى مايو من عام 1913 قام إمام تنوف، وهو سالم بن راشد الخروصى بحركة عصيان.

الثورة العظيمة

وفي شهر يونيو سقطت «نزوى»، وهى واحدة من المدن الرئيسة في عمان، وبعد ذلك سقطت «أزكى» التي تقع إلى الشرق مباشرة من «نزوى» في الشهر التالي. وبعد سقوط «أزكى»، فإن المتمردين الذين كان بينهم كقادة مؤقتين الشيخ حمير بن ناصر ونبهان قد شاركهم الشيخ عيسى بن صالح ابن الشيخ المشهور صالح بن على الحارثى في تميمة بنى ريام الذي قاد الثورة العظيمة ضد السيد فيصل عام 1895. والشيخ عيسى وهو رجل ذو شخصية قوية وصارمة ولا يسهل انقياده لتلقى الرشاوى، كان يعد الشخصية البارزة فى التحالف الفيدرالي.

قصف بحري

وفى يوليو 1913 أصبح الموقف منذرا بالخطر... فأرسلت الحكومة البريطانية حامية صغيرة إلى «مطرح» الواقعة على الساحل شمالي مسقط ولكن المتمردين واصلوا زحفهم واستولوا على الأراضي، وفى أغسطس سقطت سمائل في أيديهم. وفى سبتمبر قمنا بمضاعفة عدد الحامية من بيت الفلاج بالقرب من مسقط. وتوفى السيد فيصل فى أكتوبر وخلفه ابنه السيد تيمور الذى يحتفظ بصداقة شخصية قديمة مع الشيخ عيسى فتم فتح باب التفاوض معه ونتيجة لذلك قام الشيخ عيسى بزيارة مسقط فى شهر ديسمبر. ومع ذلك لم تتحقق النتائج المرجوة للوصول إلى حل دائم، وفى أبريل 1914 تم إرهاب المتمردين بقصف بركاء والقريات بواسطة السفينتين الملكيتين فوكس Fox ودارتماوث Dartmouth، ولكن في أغسطس تجددت الأنشطة العدائية مما جعل من الضروري القيام بإرسال تعزيزات إلى الحامية في مسقط، وفى يناير 1915 قام أتباع الإمام بمهاجمة المواقع الخارجية البريطانية ونالوا هزيمة ساحقة.

إغراءات قوية

قام نائب الملك [البريطاني] بزيارة مسقط فى الشهر التالي وانتهز الفرصة لنصح السلطان للتوصل إلى اتفاق للتصالح مع رعاياه المتمردين، مشيرا إلى أن الحامية البريطانية لن يتم الاحتفاظ بها بصفة دائمة، وعرض عليه خدمات الوكيل السياسي للعمل كوسيط، وقد قام هذا الأخير بتلخيص الصعوبات في الموقف في النقاط التالية:

1- إن مفتاح الموقف بيد المتمردين... فهم يسيطرون على وادي سمائل والحصن وهما أساسيان بالنسبة لازدهار مسقط تجاريا.

2- إن الانتفاضة اتخذت صفة دينية حيث كان الإمام يدعو للجهاد، علاوة على ذلك فإن قواتنا قد قتلت الكثير من المتمردين خلال الهجمات الفاشلة التي شنوها في يناير مما استثار مشاعر السخط ومن الصعب تهدئتها.

3- إن عرض مخصصات للقبائل من المحتمل ألا تكون وسيلة إغراء قوية: فالإمام ربما تمنعه مخاوفه الدينية من قبول مخصص له، والقائدان الآخران يتمتعان بمداخيل طيبة من منصبيهما بالإضافة إلى تخصيص الأراضي الرسمية لهما في الداخل.

4- إن خفض أفراد الحامية إلى قوتها العادية سيؤدى إلى ترك السلطان من دون دعم. وأن السفينة الملكية في زمن سلم بحيث لا تكون على بعد ساعة من مسقط فى حالة استدعائها كما كان الحال عليه في حالة الحرب.

إلا أن التقارير المرسلة من الداخل تفيد بأن المتمردين قد أصابهم الإحباط نتيجة للأثر السلبي لأحداث يناير وأنهم متلهفون إلى التصالح، وقد كان السلطان سعيدا بقبول الوساطة المقترحة من جانب الوكيل السياسي، وفى أبريل قام الوكيل بإرسال خطابات إلى قادة المتمردين الثلاثة وهم: الإمام سالم بن راشد الخروصى، والشيخ عيسى بن صالح، والشيخ حمير بن ناصر طالبا منهم أن يذكروا صراحة وجهات نظرهم ومشاعرهم وعرض عليهم أن يحاول التوصل إلى تسوية مؤقتة.

ورد الإمام بأنه عليه أن يستشير شعبه الذين هم تحت سيطرة مشايخهم، وأن هؤلاء المشايخ متناثرون في أنحاء البلاد من الشرقية إلى نزوى، وأنه قد تم استدعاؤهم لحضور مؤتمر. واقترح حمير إرسال بعثة إسلامية لمناقشة الأمر، أما الشيخ عيسى بن صالح لم يرد حتى شهر مايو عندما تم استلام خطاب منه لا يحمل توقيعا ولا ختما وذلك عن طريق الإمام، وكانت لهجته وديّة وأظهرت الرغبة في إجراء المفاوضات، وذكر أنه سيرسل مبعوثا هو عبد الله بن حمد للقاء السلطان.

مؤامرة الألمان

وأوضحت التقارير كلها أن إرسال الوكيل السياسي تلك الخطابات تعتبر من الناحية الشعبية علامة على الضعف من جانب البريطانيين الذين وُصفوا بأن لديهم الرغبة فى سحب قواتهم، ولم يغب الدليل على وجود مؤامرة حبكها العملاء الألمان بالداخل، فلقد كان هناك اعتقاد بصفة عامة من جانب القبائل بأن الألمان كانوا منتصرين، وأن القيصر وأتباعه قد اعتنقوا الإسلام، وأن الفرصة مواتية لدحر السلطان والإنكليز وطردهم خارج البلاد.

وعلى الرغم من الصفة الودية التي اتسم بها خطاب الشيخ عيسى، فإن السلطان كان مقتنعا بان العنصر الديني كان معارضا للسلام. وفي خطاب تم الاستيلاء عليه كتبه ناصر بن سليمان السيابى من سمائل، ذُكر فيه أن الإمام سالم بن راشد الخروصي والشيخ حمير قد تقبلوا نصح الشيخ عيسى؛ ولكن الإمام لن يوافق على الاستسلام الصريح وسوف يقاتل إلى النهاية لإطاحة الوضع الحالي حيث لا يوجد أي قانون أو عدل إسلامي.

(يتبع)