الحديث في الندوات قد تركز عند الأكثرية على ذكر المشاكل الموجودة فقط، من دون أن يوضحوا لنا ما إذا كانت لهم محاولات سابقة لحل هذه المشاكل في أثناء وجودهم سنوات طويلة كنواب في المجلس، وكذلك لم يذكروا لنا أي تصورات لديهم لحلها في المستقبل.في كل انتخابات برلمانية، هنالك على الدوام نوعان من المرشحين، نواب سابقون مارسوا العمل البرلماني لدورة أو عدة دورات، ومرشحون جدد يخوضون تجربتهم الانتخابية الأولى، آملين أن يحوزوا على ثقة الناخبين ليمثلوهم في المجلس، ولأن هناك تفاوتاً في الخبرة السياسية والتجربة البرلمانية بين الطرفين، يفترض أن يكون بينهما اختلاف في الخطابات الانتخابية، من حيث حدة النبرة واختلاف الرؤى والتصورات العامة!
فالمرشحون الذين قضوا سنوات طويلة في مجلس الأمة، يراقبون أداء الحكومة ويشرعون القوانين، ينبغي أن يكون كلامهم الموجه إلى الناخبين في أغلبه عن إنجازاتهم السابقة، كالقوانين التي ساهموا في إقرارها، أو مشاريع القوانين التي سعوا إلى إنجازها، ثم بعد ذلك من المفترض أن يحدثوهم عن «خططهم المستقبلية» لإقرار هذه القوانين، وعن «تصوراتهم» و«مقترحاتهم» لحل المشاكل المزمنة التي يعانيها المواطن الكويتي، ومن الطبيعي أن ينفعلوا قليلا في حديثهم وأن يصرخوا أحياناً، لأنهم يستعيدون ذكريات تجربة مضت، كان فيها الكثير من خيبات الأمل والإحباط والنجاح كذلك، لكن المهم أن يكون الكلام في مجمله أو أغلبه عما تم «إنجازه»، لكي تزداد قناعة الناخب بقدرة وكفاءة هؤلاء النواب على «إنجاز» ما هو قادم، فهل كان حديث النواب السابقين والمرشحين الحاليين في ندواتهم، على هذا النحو؟!
شخصيا، ومن خلال متابعتي لكثير من الندوات واللقاءات التلفزيونية، لم أر شيئا من ذلك، فالحديث قد تركز عند الأكثرية على ذكر المشاكل الموجودة فقط، من دون أن يوضحوا لنا ما إذا كانت لهم محاولات سابقة لحل هذه المشاكل في أثناء وجودهم سنوات طويلة كنواب في المجلس، وكذلك لم يذكروا لنا أي تصورات لديهم لحلها في المستقبل، ومن المنطقي أن نتساءل، مادامت هذه المشاكل قد نمت وترعرعت في أحضانهم، ولم يجدوا لها حلا خلال عشرين عاما وأكثر، فما حاجتنا لوجودهم دورة أخرى؟! وسؤالي هذا موجه على وجه الخصوص، إلى تيارات كانت تمثل الأغلبية في المجلس على مدار الـ30 سنة التي مضت، ومازال مرشحوهم يحدثوننا عن آخر مستشفى قد تم بناؤه وعن تخلف التعليم والصحة! ماذا كنتم تصنعون إذن طوال هذه المدة يا سادة ؟!
أما المرشحون الجدد، الذين يفترض أن تتسم خطاباتهم بالهدوء والعقلانية، وتحمل الكثير من «المقترحات والمبادرات والرؤى الجديدة»، لإيجاد «حلول» للمشاكل المتراكمة التي عاناها المواطن طويلا، والصراعات السياسية التي تسببت في وقف التنمية بهذا البلد، وعما سوف «ينجزونه» وآلية إنجازه في حال وصولهم إلى البرلمان، للأسف، لم تختلف خطاباتهم الانتخابية كثيرا عن زملائهم السابقين، سوى أنهم فاقوهم «صراخا» وهجوما على الحكومة، وتهديدا ووعيدا باستجواب عدد من الوزراء، ولم يسلم أحد من أعضاء مجلس الأمة السابق من هجومهم وصراخهم غير المبرر في كثير من الأحيان، فمن الواضح أن «الشباب» متحمسون زيادة عن اللزوم!
فعدا عن صراخهم الحماسي، كان الكلام في مجمله سردا مملا ومكررا، لمشاكل البلد من صحة وتعليم وإسكان ومرور وغلاء وعمالة الى آخره، من دون أن يحدثونا عن «الأفكار» الجديدة التي سيقدمونها، وهو الأمر الأهم بالنسبة للناخبين، فليس المطلوب تغييرا في الوجوه، بل تغيير في الفكر والمنهج والرؤية والعمل، لأننا جميعا نعرف المشاكل التي لدينا جيدا، ولا حاجة بنا إلى الشرح المسهب عنها، قولوا لنا فقط ماذا لديكم لتضيفوا أو تنجزوا؟ هذا ما يهمنا يا أعزاءنا المرشحين الجدد والقدامى أيضا، أما «العنتريات الخطابية» فقد شبعنا منها، وما عادت تعنينا في كثير أو قليل!
المضحك والمبكي في نفس الوقت، هو أن مشاكلنا هذه التي عجز الجميع عن حلها، حكومة وأعضاء ومرشحين، يرتكز أغلبها على نقص الخدمات المقدمة من الدولة للمواطنين، وهي مشاكل تليق بدولة فقيرة تفتقد التمويل المالي، لا دولة غنية كالكويت، فمشاكلنا هذه لو سلمنا أمرها لعمدة قرية من القرى الصغيرة في إحدى الدول المتقدمة، لحلها جميعا خلال أسبوع، ولوحده، ومن دون مساعدة من أحد، فوا أسفاه على هذا الوطن، وعلى أبنائه العاجزين عن حل أبسط المشاكل!