اذا أردت أن تعرف الوعي الحضاري لأمة ما فابحث عن مسرحها. المسرح هو الترمومتر الحقيقي لوعي الانسان ومستوى الحراك الثقافي في هذا البلد أو ذاك، يقدم لنا المسرح دليلا آنيا وحاضرا عن انسان هذا المجتمع.

Ad

المسرح السياسي والثقافي والاجتماعي يترك انطباعا كاملا عن مستوى الوعي والانفتاح والحرية التي يتمتع بها ذلك المجتمع، ومن خلال عدد العروض التي يقدمها المسرح الجاد والاقبال الجماهيري عليها مقارنة بالعروض الهزيلة هو أيضا مقياس حقيقي لدرجة الوعي الثقافي والسياسي لدى المجتمع. المسرح عمل صعب ومجهد لشعب يدرك وعيه ودوره في الحياة وعمل سهل وسطحي لشعب يئس من كل شيء وكره ثقل الوعي وكثافته.

لست بحاجة الى عمل مقارنة بين الحالة المسرحية الكويتية منذ بدايتها حتى منتصف الثمانينيات والحركة المسرحية التي تلت ذلك، فحتى جمهور المسرح الهابط يعرف تلك المقارنة ويخرج بعد نهاية كل عرض يتحسر على أيام مسرحه القديم وكأنه ليس سببا في تردي أوضاعه.

في وسط هذا المأزق التراجيدي للمسرح وتدني المستوى الأدائي والنصي والاخراجي الى درجة منفرة يخرج لنا نور بهي يبشرنا بأن هناك أملا بالعودة الى وضعنا الثقافي القديم وريادتنا المسرحية، التي أدهشت دولا كانت تظن أن منافستها مسرحيا ضرب من الوهم. يأتي رجل من أهل المسرح القديم تتلمذ على يد عباقرة المسرح العالمي وكان طالبا نجيبا لعميد المسرح العالمي وليم شكسبير.

التقيت الشاب الهادئ الخلوق سليمان البسام أيام ملتقى الثلاثاء في مكتب اسماعيل فهد اسماعيل، كان هادئا ينصت لصخبنا وهذرنا وهمومنا دون أن يعلق كثيرا، ثم حضرت له مسرحية مؤتمر هاملت قبل سنوات برؤية مغايرة. لأرى أن خلف هذا الصمت عواصف. في السنوات الأخيرة قرر البسام العودة الى الوطن لتقديم مسرح مغاير لمسرح الهبوط الذي ملأ الفضاء الخالي من نجومه وهو يعي صعوبة الخطوة ومدى ألمها وربما خطورتها أيضا- أعني الخطورة الاستثمارية للمنتج المسرحي المنافس.

فالمسرحان الجاد والهزيل ينضويان تحت معطيات التسويق والاقبال والمقارنة بينهما ليست في صالح المسرح الجاد، بعد سنوات من رداءة المخرجات المسرحية وابتعاد الرواد عن دورهم المسرحي الحقيقي.

في لقاء جمع الزميل كريم الهزاع والمسرحي سليمان البسام في الزميلة «أوان» باح البسام بشيء من هموم المسرح الجاد الذي حاول تقديمه تحت رعاية بعض المؤسسات الحكومية لتحاشي التصادم المباشر مع الجمهور. وله العذر في ذلك فثقافة المجتمع ليست حكرا على المسرحيين بل هي عملية صهر معقدة يختلط فيها التربوي بالاعلامي بالسياسي، لنخرج بإنسان مستقبلي ونوعي وأي خلل بأضلاع هذا المثلث لا يؤدي الى النتيجة المطلوبة فكيف والخلل يشمل جميع أضلاع هذا المثلث.

الذي يهون الأمر على البسام وأمثاله أن هناك مجموعة من النخب الثقافية مازالت حريصة على متابعة أعمال مسرحية جدية، وان كانت هذه العروض الفقيرة والتي لا تتجاوز العرضين لا تضمن المردود المالي لتكفلة أعمال مسرحية باهظة تطمح في ادخال التكنولوجيا الحديثة الى المسرح. والأمل باحتضان المؤسسة الرسمية والحكومية لهذه الأعمال، فالكثير من هذه المؤسسات يرمي أموالا بلا طائل في إسبانيا وفرنسا وبلاد العرب بحثا عن صوت وصورة ثقافية يستطيع البسام أن يستثمرها لتقديم صورة أكثر اشراقا ليس لصاحب المؤسسة ولكن لوطن بأكمله.

البسام سيعرض مسرحية شكسبير «ريتشارد الثالث» في مركز كينيدي في الولايات المتحدة مشاركة مع مجموعة من العروض العربية، وهو الكويتي الوحيد حسب معلوماتي هناك بعد أن طاف مجموعة من البلدان، وحصد عددا من الجوائز المسرحية.

البسام يناضل وحيدا نحو مسرح كويتي وعربي وعالمي جاد فمن سيقف معه؟