القيمة المضافة

نشر في 16-05-2008
آخر تحديث 16-05-2008 | 00:00
 محمد سليمان قبل ربع قرن صدرت في القاهرة رواية لمسؤول إعلامي كبير فاحتفت بها أجهزة الإعلام، وانبرى بعض النقاد للكتابة عنها، والإشادة بها ثم تقاعد السيد المسؤول بعد عامين أو أقل، فتقاعدت معه روايته واختفيا معا... أسوق هذه الحكاية الصغيرة لأوضح مفهوم «القيمة المضافة» التي تضاف إلى القيمة الحقيقية للعمل الفني أو الفكري، التي لسبب ما يحظى بها كاتب أو مبدع فتضاعف حجمه وشهرته وقدرته على التأثير أحيانا، وتحجب في الوقت نفسه أعمالا كثيرة أفضل وأرقى لكتاب ومبدعين موهوبين.

ولأن هذه القيمة لا علاقة لها بالموهبة أو الفن أو قيمة العمل الحقيقية، فهي تظل دائما دخيلة خادعة ومؤقتة، وعاجزة في معظم الأحوال عن إقناع الجميع بصدقها وأصالتها. وهناك مصادر عديدة لهذه القيمة المضافة في مقدمتها سطوة الموقع الوظيفي أو السياسي للكاتب، والقضايا التي ينشغل بها أو يتخذ منها محاور أساسية لأعماله، وقد رأينا في الأعوام الأخيرة الكثير من الكتب والأعمال الفنية التي صدرت وانتشرت ممهورة بتوقيع وزير أو مسؤول كبير، ورأينا المتملقين ونافخي الأبواق والانتهازيين يشيدون ويروجون ويتحدثون عن إنجاز متخيل أو لا جودة له.

بالإضافة إلى الموقع الوظيفي ونفوذه هناك أيضا الحركة النقدية والرايات التي ترفعها بين حين وآخر... وقد عاصرت في صباي صعود تيار الواقعية الاشتراكية الذي كان يُعلي من شأن كل إبداع يروج للتحول الاشتراكي وينشغل بقضايا الكادحين والبؤساء والعمال بغض النظر عن القيمة الفنية الحقيقية، وقد برز ولمع في الستينيات كتاب بسبب الانتماء السياسي والقيمة المضافة التي ضاعفت أحجامهم، لأنهم واقعيون يكتبون للجماهير ويسجلون أشواقها ومعاناتها، وقد توارى معظم هؤلاء الكتاب بعد أفول ذلك التيار وانحسار القيمة المضافة التي كانت سبب بروزهم ولمعانهم، ومنح بعضهم ألقابا رنانة «جوركي مصر والعرب». ومن الجدير بالذكر أن هذا التيار ضيق في ذلك الوقت مفهوم الالتزام وقصره على حاملي الرايات ورافعي الشعارات وأخرج بالتالي عددا كبيرا من الشعراء والكتاب من دائرة الالتزام بالمجتمع وقضاياه، واتهمهم بالانعزال والتعالي والانشغال بالهموم الذاتية والوجودية على حساب قضايا الجماهير الكادحة وأحلامها، وكان من الطبيعي في هذا السياق أن يتهم الشاعر «صلاح عبد الصبور» وأن يكتب عنه الناقد «محمود أمين العالم» دراسة بعنوان «لماذا يبكي هذا الشاعر ونحن نبني السد العالي».

تعتبر القضايا التي ينشغل بها المبدع أو الكاتب مصدرا آخرا مهما للقيمة المضافة، خصوصا عندما تتصل هذه القضايا بالمقدسات والأعراف وقيم المجتمع... ويأتي في مقدمة هذه المقدسات الدين الذي يؤدي الاصطدام به أو تناوله إلى الإثارة وتسليط الضوء على الكاتب وعمله وشد رجل الشارع غير القارئ أحيانا إلى ميدان الاهتمام والمواجهة، خصوصا عندما يتم تناول الدين بشكل مباشر كما فعل الكاتب «دان براون» في روايته «شيفرة دافنشي» التي وزعت أكثر من خمسين مليون نسخة وترجمت إلى لغات عديدة بسبب اصطدامها بأساسيات المسيحية وحبكتها البوليسية، وكما فعل «سلمان رشدي» في روايته «آيات شيطانية»... المباشرة في الروايتين كانت سببا للإثارة ومضاعفة القيمة المضافة بينما تلاشت هذه القيمة في رواية «الإنجيل كما يرويه السيد المسيح» للكاتب البرتغالي «جوزيه ساراماجو» بسبب نفوره من المباشرة وميله إلى توظيف الخيال والرمز والأسطورة للارتقاء بفنه، وهي نفس التقنية التي استخدمها الراحل نجيب محفوظ في روايته «أولاد حارتنا» لكنها لم تمنع شابا لم يقرأ الرواية من طعن محفوظ ومحاولة اغتياله.

بالإضافة إلى الدين هناك أيضا قضايا الجسد والجنس والشذوذ وقدرتها على الإثارة ولفت الانتباه وتعظيم القيمة المضافة وأذكر هنا فقط برواية «حمام الملاطيلي» للكاتب «إسماعيل ولي الدين» التي باعت في أوائل السبعينيات عشرات الآلاف من النسخ، وحققت للكاتب شهرة عريضة، خصوصا بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي بالعنوان نفسه ثم تكفل الزمن بنقدها ومواراتها بعد ذلك... والظاهرة تكرر نفسها على ما يبدو الآن مع روايات أخرى وكتاب آخرين اتخذوا من الجنس بكل أشكاله محورا لأعمالهم.

وإلى جانب الدين والجنس يعد الاتكاء على البعد السياسي وتوظيفه بشكل مباشر في الأعمال الفكرية والإبداعية أحد مصادر القيمة المضافة وأشير هنا إلى الشاعر الأميركي «ألن جنسبرج» وديوانه الأول «عواء» الذي صدر في منتصف الخمسينيات متضمنا قصيدته الشهيرة «أميركا» التي يهجو بها بلاده ويسخر من قوتها وتقدمها، وبسبب القصيدة صودر الديوان وساهمت هذه المصادرة والمحاكمة بعد ذلك في إطلاق شهرة الشاعر وترسيخ نجوميته وهو دون الثلاثين... وأشير أيضا إلى قصائد الهجاء السياسي التي تشد حتى غير المهتمين بالشعر والمنتظرين من الشاعر قصائد تنوب عنهم في هجاء الواقع والسخرية منه... الهجاء المباشر إذن هو مصدر مهم للقيمة المضافة، فإذا أقلع الشاعر عنه لسبب أو لآخر انحسرت هذه القيمة وخسر الشاعر قدراً من جماهيره ونجوميته وقلّ الإقبال على اقتناء أعماله، ويرد هذا الكلام على السؤال الذي طرحه بعض الكتاب والنقاد عن سبب تراجع نجومية الشاعر الراحل «نزار قباني» وانحسار الإقبال على اقتناء دواوينه.

القيمة المضافة مؤقتة ودخيلة وعلى الناقد الذكي أن يسقطها دائما من حساباته لكي يرى ويزن بنزاهة وموضوعية قبل أن يتكفل الزمن أعظم النقاد بالقيام بمهماته.

* كاتب وشاعر مصري

back to top