Ad

نتائج انتخاباتنا الأخيرة ستثير كثيراً من القلق في نفوس المحللين الأميركيين من أن هناك انحساراً لموجة الديمقراطية التي كانت الولايات المتحدة تعمل على ضخها في العالم العربي، وفي الخليج على الأخص.

مساء الثلاثاء، حلت السفيرة الأميركية الجديدة ديبورا جونز في ضيافة المنتدى الأسبوعي الذي يعقده د. سعد بن طفله في ديوانه بالجابرية.

تحدثت السفيرة في هذا المنتدى عن نظرتها لمستقبل العلاقة الأميركية الكويتية، وعن إيمانها بمدى التقارب ما بين الدولتين بسبب التشابه باعتبار أن كليهما يقوم على الديمقراطية، وغير ذلك من الأفكار المعتادة في مثل هذه اللقاءات الدبلوماسية.

توقفت ملياً عند فكرة ذكرتها السفيرة، وإن كان بعجالة، حين تحدثت عن انتخاباتنا التي انقضت منذ أيام، حيث أشارت إلى التأثير القبلي على مجرياتها ومخرجاتها، وذلك بلسان المتابع والراصد الذي لا يتدخل وإن كان يتساءل ويستوضح. ولم يفت سعادتها طبعا أن تركز على مسألة أن الولايات المتحدة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي ترتبط بها.

يدرك المتابع أن أغلب الشؤون الداخلية، إن لم تكن كلها، تقع على خط تماس مع الشأن الخارجي، وبعض هذه الشؤون وإن ابتدأ داخلياً سرعان ما يتجاوز خط التماس ليبدأ بالتأثير المباشر على مجريات الشأن الخارجي، بل قد يستحيل شأناً خارجياً وبشكل فاقع، والمثالان اللبناني والفلسطيني وغيرهما واضحة للتأكيد على هذا.

نعم، تبقى مخرجات الانتخابات الكويتية الأخيرة، القبلية والدينية والمحافظة، شأناً داخلياً للكويت، ولكنها وحين تنعكس بظلالها على السياسة الكويتية الخارجية، أو حتى على الصورة المرسومة للكويت في الخارج، كنموذج عربي ديمقراطي فريد، تفتخر الولايات المتحدة بالارتباط به بشكل من الأشكال، ويحلو لها أن تضرب به مثلاً عند تسويق سياساتها هنا وهناك حول العالم، فحينها سيتحول الشأن الداخلي إلى شأن خارجي!

كلنا يعلم، وإن كان بعضنا لا يحبذ الاعتراف بذلك، بأن حصول المرأة على حقوقها السياسية، مثلاً، وبالرغم من أنه كان شأناً داخلياً خالصاً، لامسته بعض التدخلات الخارجية المتفرقة، بل لعلي لن أتردد فأقول، إنه ما كان سيكون لولا توافر مباركة أميركية كبيرة له.

فوصول القبليين- المحافظين غالباً- ووصول المتدينين، وخصوصاً السلفيين الذين يوصمون بأنهم الأكثر تشدداً من الإخوان الذين كانوا الصيغة الأكثر مرونة في التعامل مع الأميركيين، وهم الذين انحسرت موجتهم في هذه الانتخابات، كانت نتائج تحمل في مجملها رسائل لن تمر على الأميركيين من دون أن يتوقفوا عندها، لأن بها الكثير من التفاصيل في نظرهم وأكثر تعقيداً مما قد نراه نحن، وفي التفاصيل يختبئ الشيطان كما يقولون هناك في الغرب!

نتائج انتخاباتنا الأخيرة ستثير كثيراً من القلق في نفوس المحللين الأميركيين من أن هناك انحساراً لموجة الديمقراطية التي كانت الولايات المتحدة تعمل على ضخها في العالم العربي، وفي الخليج على الأخص، ولعل مقال د. مأمون فندي رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي تحدث فيه عن انتخاباتنا الأخيرة منذ أيام (21 مايو 2008م جريدة «الجريدة») تحت عنوان «هل تطرف الخليج؟»، وختمه بقوله (في الستينيات والسبعينيات كان الجنون صفة من صفات السياسة المصرية، فهل انتقلت عدوى الجنون متأخرة إلى معاقل المحافظين في الخليج؟)، يشير إلى هذا صراحة.

من كل ما سبق أجدني أصل إلى سؤال مزعج أبى إلاّ أن يطل بأنفه مشاغباً، وهو سؤال نحتاج إلى أن نواجه به أنفسنا قبل أن يبدأ الآخرون بالعزف على أوتاره. السؤال هو: بعد هذه السنوات الطويلة من التجربة، وكذلك بعد مجريات ونتائج الانتخابات الأخيرة، هل لدينا برلمان وديمقراطية، أو دعوني أقولها بشكل عام، هل لدينا صيغة سياسية ومنظومة إدارية للدولة، قادرة على إبقاء الكويت في قافلة الدول التي تتحرك إلى الأمام وتتقدم في هذا العالم، أم أن الكويت محكوم عليها أن تتوقف، وربما أن تبدأ بالتحرك في الاتجاه المعاكس؟! هذا هو السؤال المزعج!