تظاهرة «الملثمين»، التي أُبرزت في وسائل الإعلان التي دُعيت إليها، وكأنها دعيت الى وليمة عربية باذخة، التي جرت أو «أُجْريت» في غزة قبل أيام كانت مناورة بائسة ومحدودة الأفق، وكان هدفها إظهار ان نتيجة الاستمرار في عدم الاعتراف بحركة «حماس» وبدولتها ومواصلة حصارها هي «القاعدة» وهي «تورابورا» جديدة و«طالبان» أخرى، وهذه لعبة مكشوفة لن تفيد إلا إسرائيل التي تريد ذريعة أخرى للتملص من عملية السلام، بحجة ان الفلسطينيين إرهابيون، وأنهم غير مؤهلين للمفاوضات، ولا يستحقون الدولة المستقلة المنشودة.

Ad

الكل يعرف أنه لم يكن من الممكن ان تقوم زمرة من الملثمين، يحملون أسلحة ربما لا يعرفون عنها شيئاً، ولا يستطيعون استخدامها، بذلك العرض العسكري وهم يرفعون رايات «القاعدة» وحركة «طالبان» لو أن حركة «حماس»، التي تقبض على قطاع غزة من عنقه وتكتم أنفاسه وتحكمه بالحديد والنار، لا تريد هذا، ولو أنها لا تريد استخدامه كما استخدمت حكاية صواريخ القسام التي لم تكن إلا مظاهرة دخانية هدفها إظهار عجز السلطة الوطنية وإثبات أنها غير قادرة على ضبط الأمن، وأنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، وأنها غير مؤهلة لأن تكون الطرف الفلسطيني المقبول في عملية السلام.

لقد كان على «حماس»، التي اعتقدت بعد انقلابها العسكري في نحو منتصف يونيو من العام الماضي أنها قادرة على لعب الدور الذي يلعبه «حزب الله» اللبناني، ألا تفكر بهذه الطريقة السطحية الساذجة، فالسعي إلى إثبات الادعاء بأن البديل لها سيكون «القاعدة»، و«طالبان» والمزيد من التطرف من خلال افتعال هذه المظاهرة المسلحة الملثمة سيعزز القناعة بأن غزة بحاجة الى الضبط والرَّبط، وأنه لابد من قوات عربية (مصرية) للسيطرة على الأوضاع المتفاقمة هناك، ولتهيئة الظروف الأمنية لاستعادة وحدة الفلسطينيين ولإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية في أقرب فرصة ممكنة.

إن «حماس» التي اعتقدت أنها بقوة عضلات حلفائها في «فسطاط الممانعة والمقاومة» قادرة على فرض نفسها على الفلسطينيين وعلى العرب وعلى المعادلة الدولية المتعلقة بالوضع في الشرق الأوسط لم تجد ما تناور به بعد ان ارتطم رأسها بجدران الحقيقة، وفشلت فشلاً ذريعاً، سوى هذه الألاعيب الصبيانية المكشوفة، التي إن هي استمرت فيها فإنها ستكلف الشعب الفلسطيني، الذي بقي ولأكثر من قرن بأكمله وهو يدفع ثمن المواقف والسياسات الخاطئة، الشيء الكثير، كما أنها ستدمر صورته أكثر مما هي مدمرة في العالم بأسره.

إنها لعبة ساذجة وسطحية، وهي لعبة إن كان لها أي جانب إيجابي فهو الجانب المتعلق بضرورة إرسال قوات عربية (مصرية) وبسرعة الى قطاع غزة، فالأمور تجاوزت كل الحدود، ولقد ثبت ان حركة «حماس»، حتى وإن كانت بريئة من كل الاتهامات التي تلصق بها، فإنها غير مؤهلة لا الى قيادة ثورة، ولا الى إقامة دولة.

* كاتب وسياسي أردني