أوباما... والنملة التي تحمل الهباءة الصغيرة
حين تأتيك الأخبار المفرحة وسط حالة من اليأس والقنوط والغضب تتحول كل تلك المشاعر السلبية فجأة إلى طاقة إيجابية... فتزهو الدنيا بعينيك وتبدأ تدندن «يا حلاوة الدنيا يا حلاوة»... وتغني رغم الغبار «الدنيا ربيع والجو بديع أفللي على كل المواضيع»؛ فقبل أيام قليلة أشرقت علينا شمس الليبرالية الأوبامية حين حطم وحرر أوباما القيود على الأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعية التي فرضها بوش اليميني بحجج عقائدية وإيديولوجية، حيث تجلب هذه الأبحاث الأمل في علاج الكثير من الأمراض المستعصية كأمراض النخاع الشوكي وداء السكري وباركنسون والزهايمر وأمراض القلب وحتى السرطان. والخلايا الجذعية هذه هي باختصار ودون الدخول في تفاصيلها المعقدة هي عبارة عن منشأ كل خلايا الجسم (وتؤخذ من الحبل السري أو الخلايا الجنينية التي تفيض عن الحاجة في مختبرات مساعدة الزوجين على الإنجاب وغيرها)، حيث تستخدم في تجديد خلايا الأعضاء والأنسجة المريضة، وتتمكن هذه الخلايا من التحول إلى أكثر من 200 نوع من الأنسجة المختلفة، وبالتالي قد تسهل معالجة الأمراض المختلفة من خلال زرع أعضاء سليمة مكان التالفة. وبالرغم من تأخر نتائج تلك الأبحاث والتجارب بسبب حظرها في السنوات الثماني الأخيرة، فقد توصلت إلى نتائج واعدة ومبشرة، فإنها ليست كاملة وثابته وقد تحتاج إلى مدة طويلة لاكتمالها.
وها هو أوباما الليبرالي المتحرر ينفذ وعده بالتغيير من خلال خطواته الحثيثة والسريعة التي بدأها منذ اليوم الأول لولايته، من إغلاق معتقل غوانتانامو إلى الاهتمام بالتغيير المناخي إلى وضع عملية السلام في الشرق الأوسط في قمة الأولويات، وأخيراً التخلص من الموروثات وكسر السلاسل الصدئة والتحرر من التدخلات الإيديولوجية والسياسية في التطور العلمي من خلال تمهيد الطريق للأبحاث والتجارب ليبدع العلماء والأطباء في علمهم واستكشافاتهم التي تخدم الإنسان والبشرية. ها هو يثبت أن العالم يسير للأمام، وإن توقف لبرهة من الزمان، فإنه سيقوم في لحظة ما من غفلته ويعاود المسير، لتنتصر قيم التنوير والعقلانية والحداثة والحرية والإنسانية على المنطق العتيق، وهو منطق الإيديولوجيات الموروثة والتقاليد البالية. وهذه هي حال العقل المؤدلج، يغلفه المنطق المطلق بغلاف سميك لا تستطيع اختراقه أي براهين علمية أو منطقية.تذكرني المعارضة الشديدة للعلم والمعرفة البشرية من قبل المحافظين والجماعات الدينية، أياً كانت، بما تنبأ به عالم الاجتماع والمؤرخ والمفكر د.علي الوردي قبل أكثر من أربعين سنة بأنه «سوف يأتي على الإنسان يوم يستطيع فيه أن يتفرج على ما يجري في شتى أنحاء العالم وهو جالس يتناول الطعام مع زوجته وأطفاله»، ومن يستمع إلى د.الوردي في ذلك العصر قد يسخر منه ويسفهه، وقد يتهمه بالجنون. وهو بالفعل ما يحصل اليوم حيث أصبح العالم «قرية صغيرة»، فثبتت صحة رؤيته حين قال: «وعند هذا سوف يجد الإنسان نفسه كمثل النملة تحمل الهباءة الصغيرة، وهي تظن أنها تحمل الكنز العظيم». ومن يدري قد تنقلنا تلك الأبحاث إلى عصر جديد يُكتشف فيه علاج للسكري والزهايمر والسرطان وغيرها من الأمراض المستعصية، وقد يصبح حلم اليوم واقع الغد.رحمك الله يا د. علي كم كنت صادقا حين قلت «يجب أن يدرك الإنسان بأنه مقبل على عصر جديد لا تصلح فيه الأفكار المحدودة التي كان يتباهى بها أجداده المغفلون». شكراً أوباما... لأنك شاركت المرضى وأمهاتهم وأقاربهم آلامهم وشعرت بمعاناتهم وتعاطفت مع مراراتهم... شكراً لأنك زرعت الأمل وأدخلت البهجة إلى قلوب الأمهات والمرضى... شكراً لأنك ساهمت في تطور الإنسانية، ولو تأخرت نتائجه إلى حين... فلنرسل رسالة شكر دعماً لأوباما وخطواته الإنسانية من خلال هذا العنوان: https://secure2.convio.net/adap/site/Advocacy?cmd=displayandpage=UserActionandid=1568... فلن يشعر بمرارة ومعاناة الأمهات والأبناء والأقارب إلا مَن مرّ بتجربتهم وذاق عذاباتهم.