كراهية المدن

من يتأمل الزوابع معلّقة على ذرى الأعمدة في شارع الحمرا وجدرانها وأشجارها ومحيط الجامعة الأميركية، يشعر بالحزن الشديد، يتخيل الواقع - الخراب الذي آلت اليه بيروت ولبنان.

من يراقب كيف أطلقوا النار على مبنى «جان دراك»، يتحسس كراهيتهم للمدن، يتحسس فاشيتهم في النظرة الى الأشياء أو الى الآخر، فالمبنى الذي قطنوا فيه في الحرب وعاثوا فيه خراباً قبل مغادرتهم، لم يحتملوا مشاهدته مع الزجاج اللامع، لم يحتملوا أن يكون مدينياً أو خارج إطار الميليشيات. أنصار «السلاح المقدس» نزلوا الى الشارع ببنادقهم، لم يجدوا من يحاربوه فأطلقوا النار في الهواء أو على المباني، قبضوا على الهواء. في النهار جلسوا في الزوايا ينتظرون ضحية، كانوا يتجولون في سياراتهم حاملين الزوبعة، أحدهم يشتم مقهى «الليناس» الذي يجلس فيه أقطاب من مختلف التيارات، كأنه يقول: «انتصرنا عليك أيتها التعددية أيتها المدينة».

أمام مشهد «السلاح المقدس» في الشارع، هل تخرج المغنية الثورية جوليا بطرس التي تتباهى بعلمانيتها وتغني «أنا بتنفس حرية»؟ ماذا ستغني لأنصار «السلاح المقدس» بعد غزوة بيروت؟

* * *

يشعر أنصار «السلاح المقدس» أن بيروت، المدينة المسالمة، هي عميلة يجب تأديبها، أو تدجينها أو تدنيسها أو تركيعها أو قهرها، لا يحتملون مدينة خارج عقليتهم الشمولية، لا يحتملون الهواء. الطامة الكبرى أن لبنان أمام معضلة كبرى لا تنتهي في الوقت القريب، أمام حزب يوصّف سلاحه بأنه مقدس، ويسمي نفسه تواضعاً «حزب الله»، الى سائر المقدسات. أكثر من ذلك، لديه الفتوى التي تجعل كل شيء في سياسته مقدساً، حتى العمالة مع اسرائيل يمكن أن تتم غداً أو بعد غد بفتوى أو تكليف شرعي. هنا الخطر والمعضلة، لا أمان مع «حزب الله» ولا تفاهمات طالما أنه يظن نفسه أن لديه وكالة إلهية على الأرض.

* * *

حركة أمل لها تجارب خاصة في علاقتها مع بيروت، تبدأ

بـ «انتفاضة» 6 شباط (فبراير) عام 1984 التي قبضت بعدها على العاصمة، مرورا بحرب 1987 التي سلمت بيروت الى الجيش السوري، ولا تنتهي في الحرب الأخيرة التي لا نعرف الى أين تأخذنا. يتعامل هؤلاء مع بيروت كأنهم غرباء فيها، لا يشعرون بالإنتماء اليها، حتى إن أحد أقطاب «امل» قال إنهم حرروا بيروت لا نعرف مِن مَن.

* * *

حرب أنصار «السلاح المقدس» على بيروت يمكن توصيفها بأنها قبائلية في مجتمع «الحداثة»، قبيلة مسلحة قامت بـ{غزوة» على قبيلة اخرى لا تملك السلاح، غزوة أحدثت شرخاً عميقاً بين جماعتين هما في الأساس في حالة شرخ. غزوة جعلت الكثيرين يعودون الى «التموضع» بين جماعاتهم، بل جعلت النظرة الى حزب الله أكثر حذراً.