الحقيقة المرّة!!
غير صحيح أن العرب غير قلقين من حوار إيران مع واشنطن، كما قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي، ردّاً على بعض ما كانت أوردته بهذا الخصوص صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قبل أيام، فهناك ترقُّب عربي حذِر لطبيعة النتائج التي ستسفر عنها هذه الحوارات، التي كانت قد أخذت شكل المفاوضات الجادة منذ فترة بعيدة، والتي تدور حول قضايا رئيسية في هذه المنطقة، التي هي في الأساس منطقة عربية. قال قشقاوي في هذه التصريحات: «ليس هناك أي ارتباط منطقي بين الدول العربية وموضوع العلاقات بين إيران وأميركا، ولا يمكن لموضوع أميركا أن يؤثر في علاقات إيران الإقليمية». وهذا في حقيقة الأمر بالإمكان تصديقه والأخذ به لو أن هذا الجاري حاليّاً بين الإيرانيين والأميركيين كان يدور حول إنفلونزا الخنازير أو حول زواج المثْليين، لا حول تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وحول القدرات النووية الإيرانية المتعاظمة.
إن من حق إيران أن تتفاوض بالطول والعرض مع الولايات المتحدة، ومن حقها أن تقيم العلاقات التي تريدها وفقاً لمصالحها مع الدولة العظمى، التي تبقى -رغم كبوات ونبوات مرحلة بوش- تشكل الرقم الأساسي في المعادلة الدولية، لكن عندما يكون هذا التفاوض، الذي هناك معطيات كثيرة تؤكد أنه قطع شوطاً طويلاً وأنه أحرز بعض التقدم، على قضيتين تمسان العرب وأمنهم وسيادتهم في بلدانهم ونفوذهم الجماعي في هذه المنطقة التي هي منطقتهم، فإنه شيء طبيعي أن يشعروا بالقلق وأن يحسُّوا بأن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك «يالطا» جديدة، لكنها هذه المرة ليست بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وإنما بين جمهورية الولي الفقيه وإدارة الرئيس باراك أوباما. إنه على قشقاوي وعلى «الإخوة الأعزاء» في طهران ألَّا يظنوا ان العرب سُذَّج وبسطاء الى حد تصديق أن العلاقات التي ينسجونها مع أميركا بريئة، وخالصة لوجه الله، فالحديث النبوي الشريف، الذي يعرفونه معرفة أكيدة، يقول: «لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين»، والحقيقة أن الإيرانيين لدغوا إخوتهم في الدين وشركاءهم في التاريخ أكثر من مرة... وأنهم مازالوا يحتلون أراضي عربية، وأنهم مستمرون في التدخل في الشؤون العربية الداخلية ومستمرون في إقامة رؤوس جسور لنفوذهم في هذه المنطقة، وكل هذا لتحقيق تطلعاتهم الإمبراطورية القديمة. ليعلم «الأشقاء» الإيرانيون أن هناك الآن مساعي ومحاولات دؤوبة يقوم بها شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو لاستبدال الأولويات في الشرق الأوسط، ووضع ما يعتبرانه خطراً إيرانياً داهماً يتهدد العرب والإسرائيليين على رأس قائمة التحديات المحدقة بهذه المنطقة، بديلاً عن تحدي الاحتلال الإسرائيلي، لكن العرب كلهم... كلهم وبدون استثناء لم يترددوا، ولو للحظة واحدة، في رفض هذا، والتشديد على أن عدوان إسرائيل هو الأساس، وأن المشكلة مع إيران بالإمكان حلُّها في الإطار الشمولي للإقليم كله. هناك مثل يقول: «لا تُصدِّق دموع عينيه بل صدِّقْ فعل يديه»، والحقيقة أن كل هذا الكلام الجميل عن الأُخوَّة وعن الصداقة العربية- الإيرانية مثله مثل حلم جميل في ليلة ربيعية مقمرة، وعندما ينبلج الصباح وتشرق الشمس تتضح الأمور على حقائقها الفجة، ويتضح أن كلام الليل يمحوه النهار، وأنه لو كانت هذه الأُخوَّة صادقة بالفعل لما بقي هذا الاحتلال للجزر الإماراتية الثلاث، ولما كان هناك كل هذا التدخل الإيراني السافر في العراق وفلسطين ولبنان ومصر واليمن والمغرب والسودان... ومعظم دول الخليج العربي أو دول الخليج العربية!!... إن هذه هي الحقيقة وهي حقيقة مُرَّة.