إسرائيل ووصايا التلمود
حدث ما توقعه الجميع- ما عدا القيادة الإسرائيلية- وفشلت تل أبيب في تحقيق أهدافها التي وضعت سقفاً عالياً لها منذ بداية العدوان على غزة، ما عدا هدفاً واحداً: القتل والتدمير العشوائيين اللذين أقاما الرأي العام العالمي ولم يقعداه بعد. وخسرت إسرائيل انسانيتها الى جانب أمور كثيرة، بينما ربحت المقاومة الفلسطينية احترام الذات والعالم معاً بصمودها الذي وصفه الأعداء قبل الأصدقاء بالأسطوري. والسؤال الكبير: لماذا هذه الوحشية في قتل المدنيين الأبرياء، ولماذا التركيز على الأطفال؟ هل هو خطأ حربي أم مصادفة قتالية؟ لا هذا ولا ذاك، إنها إيديولوجية قديمة العهد في التاريخ اليهودي وتقليد ورد ذكره في كتابهم «التلمود».* * *
إذا اقتنعنا بصدقية نظريات فيلسوف الحروب الألماني «كلاوزه فيتز»، خصوصا تلك التي تقول إن «الحرب هي امتداد طبيعي للدبلوماسية» أي عندما تفشل الدبلوماسية في تحقيق الهدف أو الأهداف تتدخل الحروب لتنهي مهمة الدبلوماسية... «كلاوزه فيتز» أراد أن يقول أن لا حرب من أجل الحرب وإلا تحولت عن مسارها الحقيقي وأصبحت حرباً من أجل القتل والتدمير. وانطلاقاً من هذه النظرية، فإن إسرائيل قد خلطت في هجومها البربري على قطاع غزة بين الحرب ذات الأهداف السياسية، والرغبة في القتل والتدمير. وهناك من لا يؤمن بصحة هذا المنحى فيدَّعي أن العدوان على غزة قد جمع بين تحقيق أهداف سياسية معروفة وما جاء ذكره في «التلمود»، وهو الكتاب الذي يحمل وصايا بعض أنبياء إسرائيل القدامى لتحقيق النبوءة العليا، وهي أن العنصر اليهودي هو شعب الله المختار، وما تبقى من البشرية فهم خـَدم وأدوات لرفاهية هذا الشعب. في واحدة من مزامير التلمود يأمر «الرب اليهودي» ما معناه: «أما أطفالهم فيجب التركيز على إبادتهم، وجعل لحومهم تنتثر على الحيطان. اسحقوا جماجمهم بحيث لا يبقى منها أثر». وما حدث في غزة من التركيز على البطش بأطفال الفلسطينيين لعله يرجع إلى ما أمر به «التلمود». وإذا عدنا إلى تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ قيامها في عام 1948، وما ارتكبته من مجازر في «دير ياسين» الفلسطينية، وفي «قانا» اللبنانية، وما بينهما من القرى والدساكر التي يقطنها العرب، لوجدنا أن نظرية «كلاوزه فيتز» محقة. فهذا النوع من الإبادة له هدف سياسي، وليس القتل من أجل القتل لإشباع غريزة حيوانية أو نزوة شيطانة. وأن الهدف هو تحقيق نبوءة دينية صدرت بصيغة الأمر إلى اليهود الذين يعتنقون المبادئ التلمودية ويسعون إلى تحقيقها. واحتلال فلسطين بالنسبة لهؤلاء هو الخطوة الأولى في رحلة طويلة نهايتها السيطرة على العالم بأكمله لاستعباده واستخدام ثرواته لأنه «حق» أُعطي لهم من الرب التلمودي. ألم يقل لهم إنكم «شعب الله المختار» وبالتالي منحهم حق السيطرة على العالم. قد نجد بيننا من يقول إنه حديث خرافة. وهو بالفعل حديث خرافة. لكن التلموديين هم الذين يحكمون إسرائيل اليوم، وهم يؤمنون بتحقيق هذه الخرافة مهما طال الزمن، وهم يتصرفون على هذا الأساس وعن قناعة ثابتة في نفوسهم بصحة معتقداتهم لأنهم ينفذون أوامر «الرب التلمودي» لا أكثر ولا أقل. إن خطورة ما يجري اليوم في غزة من مذابح وإبادة جماعية يعتبره التلموديون نهاية مرحلة أولى وبداية المرحلة الثانية. المرحلة الأولى هي في تثبيت أقدامهم على الجزء الأساسي من النبوءة، وهي عودتهم إلى ما يسمونه «أرض الميعاد» في فلسطين، وهذا ما تحقق لهم بنجاح كبير خلال الستين سنة الماضية. لكنهم بحاجة إلى اتمام هذه المرحلة والسيطرة على كامل الأرض الفلسطينية حتى يتمكنوا من الانتقال إلى المرحلة الثانية في السيطرة على الجوار الفلسطيني قبل الانتقال إلى السيطرة على جوار الجوار، ومن ثم جوار جوار الجوار إلى أن ينتهي الأمر بتحقيق النبوءة التلمودية بالسيطرة بشكل أو بآخر على مقدرات الكرة الأرضية بأكملها. إن السيطرة على جوار فلسطين هو خطوة أساسية بالنسبة لمعتقدهم الديني نظراً إلى ما يمتلكه هذا الجوار من ثروات هائلة بعضها تمّ اكتشافه واستغلاله، والبعض الآخر، وهو كثير، مازال في باطن الأرض. وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل ترفض بشكل باطني ترسيم حدود دولتها، وهي إذا ما قبلت بترسيم بعض الحدود ظاهرياً، فإنها في الباطن تستعد للانقضاض عليها عندما يشتد ساعدها ويصيب الضعف والوهن سواعد الآخرين. إن حديث إسرائيل، التي يحكمها اليهود التلموديون، عن السلام هو حديث موقت لا يجب الوثوق به. فوصايا «التلمود» تأمرهم بالكذب وبالمراوغة وباستخدام الأساليب كافة التي يعتبرها العالم القديم والحديث لا أخلاقية من أجل الحصول في نهاية المطاف على غايتهم أو تحقيق نبوءاتهم بل أكثر من ذلك... أن «التلمود» يأمرهم أيضاً بإفساد أخلاق البشر بشتى الوسائل حتى يسهل على «شعب الله المختار»، الذي لا يتجاوز عدده العشرين مليوناً، السيطرة على البشرية التي يبلغ تعدادها الستة مليارات ونيف. وإذا تعمقنا في البحث الدقيق لوجدنا آثار اليهود اليوم في الآفات التي تعانيها البشرية في نشر المخدرات والبغاء والحروب الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، وكل ما في العالم من موبقات، بالإضافة إلى إفساد الأديان والمعتقدات السماوية بواسطة زرع البغض والفرقة بين دين وآخر، والسعي إلى قسمة الدين الواحد إلى «مدارس فلسفية» عدة يقاتل بعضها بعضا إلى يوم الدين. ذلك كله من أجل تسهيل الطريق إلى «اليوم الموعود»، يوم تتحكم وتحكم أقلية الـ 20 مليوناً أكثرية المليارات الستة. هذا غيض من فيض. وبعض هذا الغيض، يأمر «الرب التلمودي» أتباعه، بأن يستولوا على مال ونساء وأراض وممتلكات لكل من ليس يهودياً تلمودياً لأنه حق إلهي مُنِح لهم وسُرِق منهم لفترة طويلة من الزمن، وعليهم السعي لاسترداده بالوسائل كلها. وحتى أخرج من دائرة الاتهام بالعنصرية البغيضة أسارع إلى القول: ليس اليهود كلهم تلموديين. بل ليس اليهود كلهم إسرائليين. ومع أنني لا أدعي الخبرة والاختصاص في تحديد الأنساب التاريخية، لكن هناك مراجع تاريخية كثيرة موجودة في المكتبات العالمية المختلفة تؤيد هذه الخلاصة. غير أنني واثق من شيئين: الأول، أن الكثرة من الذين يحكمون إسرائيل اليوم هم تلموديون. والثاني، أن حديث هؤلاء عن السلام هو مجرد حديث خرافة.ذلك كله يجعل من معركة غزة مفترقاً بين مرحلتين تلموديتين. ولإنقاذ البشرية هذه من الخرافة التلمودية، فإن انتصار غزة يُبعد، ولو إلى حين، خطر تلك الجرثومة قبل أن تنتشر لتقضي على البشرية كلها في زمان لا يستطيع أحد أن يحدده. وغزة قطعت شوطاً بعيداً في رحلة انتصارها نتيجة صمودها الخرافي. إن غزة قد ربحت المعركة ولو خسرت مليوناً ونصف المليون من سكانها. فالربح والخسارة لا يقاسان بنتائج ما يحدث على الأرض اليوم، بل بالصمود في مرحلة ما بعد الخسارة. والدليل على ذلك أن إسرائيل لم تستطع إخضاع الشعب الفلسطيني طيلة الستين سنة الماضية. ولن تستطيع ذلك طالما أن هناك مولودا فلسطينيا جديدا، عربي الجنسية، يُولدُ كل ثانية.* كاتب لبناني