أزمة ورق التواليت!
الأصوات الحكيمة عند نشوب الأزمات هي عملة نادرة دائما، لكن العملة الأندر منها هي الأصوات الحكيمة عند أصحاب القرار الذين يمتلكون القدرة على عمل شيء!في 19 ديسمبر من العام 1973، وفي برنامجه المسائي الشهير على قناة NBC آنذاك، ألقى مقدم البرامج الأميركي الشهير جوني كارسون نكتة حول أن الولايات المتحدة ستعاني نقصا حادا في إمدادات ورق التواليت!
في الصباح التالي، هرع الكثير من العشرين مليون مشاهدا الذين تابعوا نكتة كارسون في المساء إلى الأسواق ومحال السوبر ماركت، وقاموا بشراء كل ما طالوه من ورق التواليت، ولم يأت منتصف النهار حتى كانت الأرفف فارغة عن بكرة أبيها من ورق التواليت!على إثر ذلك، خرج كارسون مرة أخرى، واعتذر من خلال برنامجه عن تلك النكتة، وشرح أن الموضوع مجرد نكتة وليس له أساس من الصحة، لكنه وبالرغم من ذلك فشل في إقناع الناس، حيث إن الأرفف الفارغة استمرت في التعبير عن أزمة باتت رأي العين، وظل الناس يسحبون كل كميات ورق التواليت ما إن تنزل إلى الأسواق!قامت محطات التلفزة بتصوير مصانع ورق التواليت وهي تستمر في الإنتاج بأقصى طاقتها لطمأنة الناس، ولم يجد ذلك نفعا واستمرت حالة الهلع والرعب بتغذية نفسها، واستمر الناس في شراء كل ما يتحصلون عليه من ورق تواليت! استمر الهلع لعدة أسابيع، حتى تمكنت المصانع من ضخ كميات ضخمة تفوق إنتاجها المعتاد إلى الأسواق لتوصل الناس إلى حالة من التشبع، لتنتهي بذلك أزمة تعد من أظرف الأزمات التي مرت على المجتمع الأميركي.هذه القصة المضحكة هي نفسها الحالة التي تمر بها البنوك أحيانا، (ومر بها أحد البنوك الكويتية أخيرا).يبدأ الأمر بإشاعة أو بمعلومة غير صحيحة أو ناقصة، تصل إلى عموم الناس، فتنتشر بينهم كانتشار النار في الهشيم، ليندفعوا لسحب أموالهم المودعة في البنوك، مما يسبب ضغطا على قدرات البنك في التجاوب مع طلب السيولة المرتفع، ليدور الأمر في حلقة مفرغة من الهلع. طلب مستمر متزايد لسحب الأموال يقابله تقلص في قدرة البنك على الاستجابة بطبيعة الحال، فتصبح الأزمة الخيالية أزمة مالية حقيقية!أغلب أزمات الناس، إن لم يكن كلها، يندلع تحت وطأة الهلع الذي يؤدي إلى انعدام القدرة على التفكير المنطقي والصحيح، فتدور العجلة ساحقة أمامها كل نداءات العقل والحكمة.أزمة البورصة الكويتية على سبيل المثال، ترتبط في جانب كبير منها بالهلع والخوف وبما يسمى عند المتداولين نظرية (القطيع)، فأغلب الناس تركض عند أول صيحة لترمي بكل ما عندها من أسهم بأبخس الأسعار رغبة بالهروب من السوق ولو بجزء من رأس المال!الأصوات الحكيمة عند نشوب الأزمات هي عملة نادرة دائما، لكن العملة الأندر منها هي الأصوات الحكيمة عند أصحاب القرار الذين يمتلكون القدرة على عمل شيء!