إن السيادة والكرامة حق للبلد والمواطن قبل أن تكون واجبا يدعي الرؤساء المحافظة عليه، ويجعلونه «مطاطا» يتسع ويضيق تبعا لأهوائهم ورغباتهم الخاصة، وليست إرثا لأحد يطالب بها أو يتنازل عنها كما يحلو له، أما إذا فهمتم السيادة أنها سيادتكم على شعوبكم وتسلطكم عليهم فهي، وإن كانت واقعا مفروضا، سيادة مرفوضة غير مقبولة، فالمواطن هو صاحب السيادة الحقيقي في بلده.

Ad

عندما يتحدث الحاكم العربي إلى شعبه تنتفخ أوداجه ويرفع صوته ويحمّر عينيه ويعلن أن بلده ذو سيادة، وأنه لا يقبل أبدا بانتهاك هذه السيادة أو الاعتداء على كرامة مواطنيه، وأن القرار (أي قرار) الذي اتخذه إنما هو صونٌ لهذه السيادة وحفاظٌ عليها. ويعود الحاكم إلى قصره الرئاسي ويتلقى اتصالا من مكان ما في الجانب الغربي من الكرة الأرضية (مثلا) فيعود مرة أخرى ويتحدث إلى شعبه معلنا أنه بعد تفكير وروية وتدبر وعزيمة قوية قرر- صونا لسيادة بلده أيضا- تغيير القرار الأول بقرار جديد.

أي سيادة تلك التي يتحدث عنها الحاكم العربي، ويتغنى بها صباح مساء، وهي تتبدل بين ليلة وضحاها؟ بين موقف وآخر؟ أي سيادة يتحدث عنها حاكم جعل بلاده قاعدة للقوات الأميركية؟ وأي كرامة يتغنى بها من جعل أرضه مسرحا ومرتعا للجنود الأميركيين ويأتمر بأوامر سيد البيت الأبيض؟ عن أي سيادة يتحدث الحكام العرب؟

منذ أن بدأت قضية خلية «حزب الله» في مصر والمتحدث الرسمي للحكومة المصرية ووزارة الخارجية يستهل بياناته وأحاديثه بأن ما حدث اختراق للسيادة المصرية، وأن مصر لن تقبل أبدا المساس بسيادتها، وأن الأمن القومي المصري خط أحمر... إلخ. وكل ذلك صحيح ولا نقاش فيه ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل أين كانت سيادة مصر يوم تم توقيع اتفاقيات «كامب ديفيد»؟! (أعلم أن المتحدث الرسمي كان صغيرا وقتها ولكن يمكنه الاطلاع عليها وقراءتها من أرشيف وزارته) أم أن اتفاقيات «كامب ديفيد» وقيودها المفروضة على مصر من حيث عدد الأفراد والمعدات العسكرية وحرية التحرك المسموح بها في سيناء دليلٌ على السيادة المصرية، وعلى الجانب الآخر يعتبر تهريب بندقية سلاح للفلسطينيين في غزة اعتداء على هذه السيادة؟! وهل اغتيال جنود الأمن المركزي على يد القوات الإسرائيلية على الحدود تكريمٌ وتشريفٌ لهم واستشهاد ضابط في مظاهرات لفلسطينيين عند معبر رفح اعتداء على هذه السيادة؟! وهل حديث نصر الله تجاوز للخطوط الحمراء، وحديث ليبرمان ومقابلة سفاح غزة داخل الخطوط الخضراء؟!

لا يقبل أي مواطن الاعتداء على كرامة بلده وسيادته بأي صورة من الصور، ولكن لا يمكن أن تكون هذه السيادة انتقائية تسمح بهذا ولا تسمح بذلك، فلا يعقل مثلا مطالبة المواطن بأن يكون سعيدا بموافقة حاكمه على وجود قواعد أميركية على أرضه ويطلب منه أن يغضب لحديث تلفزيوني انتقد حاكمه!!

فيا أصحاب السيادة... ويا حكامنا العرب:

إن السيادة والكرامة حق للبلد والمواطن قبل أن تكون واجبا يدعي الرؤساء المحافظة عليه، ويجعلونه «مطاطا» يتسع ويضيق تبعا لأهوائهم ورغباتهم الخاصة، وليست إرثا لأحد يطالب بها أو يتنازل عنها كما يحلو له، أما إذا فهمتم السيادة أنها سيادتكم على شعوبكم وتسلطكم عليهم فهي، وإن كانت واقعا مفروضا، سيادة مرفوضة غير مقبولة، فأنتم اليوم حكامٌ وغدا (...) ولكن المواطن أمس واليوم وغدا هو صاحب السيادة الحقيقي في بلده، وهو وحده من يقرر حدوده وخطوطه الحمراء... والخضراء أيضا.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء