في نقاش مع أحد الأصدقاء علق أن التيار الوطني مصاب بلعنة تاريخية، إذ كلما توحدت الصفوف والتوجهات رمى أحدهم «عزيزو» فرق الجماعة وأضعف الوحدة. والمتابع لتاريخ الحركة لابد أن يجد شيئا من الصحة في هذه النظرية. فما اصطلح على تسميته القوى الوطنية المتمثلة في مجموع القوى والشخصيات الديمقراطية والليبرالية والعلمانية والقومية قد عانت الانقسامات والخلافات العلنية بشكل دوري منذ حركة القوميين العرب إلى يومنا هذا.

Ad

والقليل من هذه الانقسامات قد يوعز إلى خلافات فكرية، وهي بعض ما أحاط تفكك حركة القوميين العرب. ولكن في الغالب لا يوجد طابع فلسفي أو إيديولوجي لأغلب الخلافات حيث إن تنظيمات القوى الوطنية ما بعد القومية لم يعد يجمعها أي فكر محدد أو تنظيم هيكلي صلب على عكس منافسيها من القوى الإسلامية التي تميزت بإيديولوجياتها وتنظيماتها الدقيقة الواسعة والتي تمتد إلى خارج الكويت. لذا تتلخص الخلافات بكونها شخصية أو متعلقة بآليات العمل والحشد والتحالفات. وهي في حجمها الصحيح ظاهرة صحية ومؤشر للتطور والارتقاء.

إلا أن الفكر الضيق والتنظيم الدقيق لم يحم الأحزاب السياسية الدينية من الخلافات والانقسامات. بل العكس- جعل لتلك الانقسامات أصداء وآثارا أكبر على مصداقية وشعبية هذه التنظيمات. كما أن التطور السياسي الطبيعي للتنظيمات السياسية الديمقراطية في العالم يتجه نحو التجمعات القائمة على البرامج العامة والتنظيمات العريضة التي تعطي أعضاءها فرص المبادرة والابتكار لا الفكر الجامد والتنظيمات الرأسية المعقدة. إذن، فإن الحل للتجمعات الديمقراطية والليبرالية ليس الإيديولوجية أو التنظيم الصارم. الحل برأيي المتواضع يكمن في التنظيم السليم والاهتمام بتطوير المهارات القيادية السليمة.

فدرجة معقولة من التنظيم تضع الآليات والقنوات لحل الخلافات والوصول لقرارات معبرة فعليا عن الواقع ورغبة الأغلبية. العامل الأهم هو تطوير المهارات القيادية التي تبني القيادي القادر على تحقيق النتائج العملية عن طريق الاهتمام بالجانب البشري والاحتياجات المعنوية والنفسية للآخرين. القيادة القادرة على التأثير في الآخرين عبر بث الثقة والإيثار لا عبر إذكاء المشاكل وتفريق الجماعات. وهي معادلة صعبة لا تتوافر بشكل طبيعي للكل، بل تأتي بالتدريب والتوجيه المكثف والموجه والرغبة الصادقة من أجل كسر نمط القيادة التقليدي الذي يعتمد على السلطة أو «الكاريزما» فقط.

في ظل أزمة القيادة التي تعانيها هذه البلاد والوطن العربي بشكل عام، نتطلع إلى طليعة هذا المجتمع لتكون المثال والنور في نهاية هذا النفق المظلم... فهل نحلم بالمستحيل؟