وجهة نظر : أفلام الصيف... ماذا حدث للمضحكين؟ (3)

نشر في 22-08-2008
آخر تحديث 22-08-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين ثمة من يردّد اليوم: انتهت «أسطورة» المضحكين الجدد!

نقول: انتهت «سيطرة» المضحكين الجدد.

ذلك هو المتغيّر، ابتداءً من موسم 2007 عادت السينما المصرية إلى التنوّع، من دون إلغاء نوعية أفلام الكوميديا والفكاهة الخفيفة، وهو لن يحدث أبداً.

ما حدث هو عودة إلى الوضع الطبيعي، فالأصل في السينما هو تنوّع الاتجاهات والنوعيات، بسبب تنوّع الأمزجة والاحتياجات. ضمن هذا الإطار، ما زالت تلك النوعية تنتج أفلاماً وتنجب نجوماً، أحدثهم أحمد مكي في فيلم «الدبور» الذي رأيناه في موسم صيف 2008، وهو نجم جديد موهوب، شأنه شأن من سبقه من النجوم، الذين لا يفتقدون عمومًا إلى الموهبة، وإنما إلى الأفلام المتميزة بالسيناريو المحكم والإخراج القوي الذي يسيطر على أدواته ويوجّه ويعرف ماذا يريد، وعناصر فنية جادة، أي فيلم له رأي وجسد وملامح وقيمة! بدءاً من أحد مخضرميها وهو هاني رمزي في «نمس بوند»، مروراً بـمحمد سعد في «بوشكاش».

نأسف لهاني رمزي أكثر، أدى سابقًا أفلاماً لها معنى ومضمون (أي كيان وملامح) مثل «ظاظا» (محاولة زعزعة سلطة رئيس جمهورية أبدي من نوع مدى الحياة!)، «عايز حقي» (حول بيع قطاع الدولة العام، أي ملكية الشعب بثمن بخس وبهدف النهب)، لكنه يقع في «نمس بوند» (على غرار سابقه «أسد وأربع قطط») في حالة بالغة السخف وواضحة الاستخفاف بالمشاهد.

في «بوشكاش»، يكرر محمد سعد أداءه الصاخب المنفعل بغرض الإضحاك، وتقديم شخصية على نحو نمطي (كاريكاتوري) من دون أدنى اهتمام، ليس بتوافر مضمون حقيقي ما، إنما لمجرد وجود حرفية سينمائية معقولة أو ملحوظة. مع الأسف، سار أحمد مكي في «دبور» على الدرب نفسها ونرجو أن ينقذ نفسه في الوقت المناسب!

خلافاً لهذا الواقع تماماً، يتفوق أحمد حلمي في «آسف على الإزعاج» على نحو زاد على أفلامه السابقة كلها، بما في ذلك فيلمه الكوميدي الجيّد «كده رضا» (2007). كان يردد أنه يعرف ـ أو يعترف ـ بأنه لا يقدم إلا نوعية من الأفلام الخفيفة، لا تحتوي على أفكار تعمق قضية ما، وأن كل ما يحرص عليه هو أن يكون الفيلم الخفيف متقناً وبلا إسفاف، يجلب السعادة ولا يؤدي إلى الضجر أو الاستياء، والحق أن ما قاله تحقق دائماً، وكان في مجمل أفلامه عند وعده ولم ينقص من ذلك شيئاً وإن لم يزد!

مفاجأة فيلم «آسف على الإزعاج» أنه زاد على ذلك بالفعل، نبدأ بتلقي بدايته وفي ظننا أنه فيلم آخر خفيف لطيف غير مسف ولا مستفز! لكننا نفاجأ أننا أمام فيلم يتناول بعمق حالة إنسانية، يحلل بطله بعناية وبمجهود، من السيناريو والحوار المكتوبين ببراعة، وصولاً إلى الإخراج النابه الدقيق مروراً بعناصر العملية السينمائية على تنوّعها.

لعل قوة تأثير الفيلم أنه يعرض مشكلة نفسية، تحاكي المشاهدين لأنه لا بد من أن يكون لكل واحد منهم ناحية منها، بسيطة أو متوسطة أو ضخمة كما لدى بطلنا!

كلنا يتمنى واقعاً آخر، أو على الأقل تحسناً وتطويراً معيناً في واقعنا، وقد نبدأ بدرجة أو مستوى الأحلام التي نتعمدها في أحلام اليقظة، لكي نتوازن ولا تميد الأرض من تحتنا! لكن بطلنا يصل إلى الدرجة القصوى (وهنا تعتبر مرضية)، إذ يلغي الواقع الذي يرفضه وينشئ الذي يتمناه، ويعيش فيه ومع الذين يحبهم حتى لو أمسوا في عداد الأموات (الأب الحنون الصديق، أو حبيبة يتعذر الوصول إلى قلبها) ويعيش في واقعه الجديد، المتخيل، لكن تأتي اللحظة التي يستفيق فيها من خلال العلاج، فيحاول أن يعيش حياته الحقيقية ويواجهها!

يشهد الفيلم مولد مؤلف بارع (أيمن بهجت قمر) ومخرج قدير (خالد مرعي) وهو في الأصل مونتير، لذلك تحكم في فيلمه بصرياً وإيقاعياً ووظّف الموسيقى برهافة، ففي لحظات الحزن العاصف لم تتشنج الموسيقى التصويرية لعمرو إسماعيل، إنما قدمت شجناً آسراً مع عذوبة كامنة طوال الوقت، وألماً مؤثراً مع التطلع إلى الخلاص على الرغم من كل شيء.

«آسف على الإزعاج» في المجمل آسر ومؤثر، يمس شغاف القلب، وهو أحسن أفلام هذا الصيف، وربما يغدو أحسن أفلام العام ككل في سينما 2008 المصرية.

back to top