وجهة نظر : «تعزيز الاستقرار المالي» مرسوم ضرورة
ما قاله صاحب السمو في خطابه التاريخي المفعم بالأسى امس الاول، جاء تعبيرا صادقا عن مشاعر كل مواطن واع ومدرك للآثار الوخيمة التي نجمت عن الطريقة اللامسؤولة التي تصرف بها بعض نواب الامة في عملية التجاذب مع السلطة التنفيذية.
لقد جاء ذلك التجاذب في ظل اوضاع استثنائية تسببت فيها تداعيات الازمة المالية العالمية، وهي أوضاع تتطلب تكثيف وتكاتف الجهود التشريعية والتنفيذية لمعالجتها، وحيث إن تكلفة معالجة الازمة المالية تتفاقم على مدار الساعة، فإن السرعة في تشخيص الازمة وتداعياتها واتخاذ القرارات الخاصة بحلحلتها تمثل العنصر الحاسم في المعالجة، ولكن عنصر الوقت كان في آخر اهتمامات تلك الفئة من ممثلي الامة، وقد كرر صاحب السمو مجددا دعوة جمهور الناخبين إلى أن يحسنوا اختيار من يمثلهم في الانتخابات المقبلة، لكي لا تتكرر هذه الازمة التي تدفع ثمنها الكويت «المتوقفة طويلا في محطة الانتظار»، في زمن تحث فيه دول الاقليم من حولها الخطى في تصديها للازمة المالية، بل ويسابق فيه العالم الزمن في مسيرته نحو التغير والتطور الى الافضل. لقد أضاعت السلطتان التشريعية والتنفيذية وقتا ثمينا، فمؤشرات الازمة المالية العالمية الراهنة قد سبقت انتخابات مجلس الامة الاخير (مايو 2008) بأكثر من عام، فمنذ بداية عام 2007 تفاقمت ازمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة، وتدهورت قيم موجودات العديد من المصارف العالمية الكبرى، وفي شهر مارس 2008 اعلن عن تدهور المركز المالي لبعض من اكبر المصارف الاستثمارية في الولايات المتحدة، ومنذ مطلع سبتمبر 2008 اتضح عمق واتساع الازمة مع قيام الحكومة الاميركية بوضع يدها على اكبر مجموعات للرهن العقاري، واكبر مجموعة للتأمين في العالم واعلان افلاس «ليمان براذرز».منذ ذلك الحين، وموجودات الشركات الكويتية تواصل التدهور، ويضيق عليها خناق الدائنين، وفي اواخر اكتوبر 2008 كلفت الحكومة فريق عمل مهني برئاسة محافظ البنك المركزي معالجة انعكاسات الازمة على الواقع المحلي، وفي اواخر يناير 2009 توصل هذا الفريق الى مشروع قانونه الخاص بتعزيز الاستقرار المالي للدولة، واقرت الحكومة هذا المشروع في مطلع فبراير الماضي، ثم أحالته الى مجلس الامة، ليدخل في دائرة التجاذب غير العقلاني.ولقد اصبح الباب مفتوحا الآن لاصدار هذا القانون وتفعيله بموجب قاعدة مراسيم الضرورة، فهو لا يرتب تكاليف مباشرة على التقديرات الواردة في قانون الميزانية العامة، كما انه يتوافق مع عناصر الضرورة المنصوص عليها في المادة (71) من الدستور، وهو يستهدف حماية المرتكزات الاساسية للاقتصاد الوطني، ومن ثم لا يحتمل التأخير، خاصة ان تأخيره سيؤدي الى تفاقم تكلفة العلاج التي يتحملها الاقتصاد الكويتي افرادا ومؤسسات.