منذ عدة أيام، وفي لقاء تشاوري وإرشادي للخطباء والدعاة والمرشدين والمرشدات بقاعة الشوكاني بصنعاء، خاطب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الحضور للقيام بممارسة دورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي النصح لأولي الأمر وتوعية الناس بأمور دينهم وما ينفعهم في دنياهم بالأسلوب الحكيم وبالموعظة الحسنة التي تحبب الناس، كما طالبهم بألا يتحولوا إلى شرطة (تنفيذية) تلاحق الناس في الشوارع وتنفرهم، وأكد أن واجب العلماء تبصير الناس بحقيقة دينهم، وأنه دين العدالة والحرية، وليس الغلو والتطرف، واعترف الرئيس اليمني بأن هناك فساداً سياسياً وأخلاقياً وقال: إن واجب العلماء أن يتحدثوا عنه ويدعوا إلى الاصلاح في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناصحة أولي الأمر، وإن من واجب الجهات المعنية في الحكومة وأجهزة الأمن أن تقوم بمسؤولياتها، لكن الرئيس اليمني حذر من تحول الدعاة إلى شرطة تنفيذية.

Ad

وفي إشارة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني بما يترجم قيم التسامح والمحبة والسلام، ويخدم قضايا المجتمع اليمني، قال الرئيس اليمني: إن ما عاناه اليمن في السنوات الماضية حتى اليوم من تداعيات الفكر المتطرف، هو نتيجة للتعبئة الخاطئة، والخطاب الديني المتطرف، كما حمّل الرئيس صالح مسؤولية ما حدث من تفجيرات وتخريب في صنعاء وحضرموت ومأرب وصعدة من قتل للأنفس البريئة واعتداءات على مدارس البنات والسياح، للخطاب الديني غير المسؤول الذي يعد الناس كفاراً ومنافقين، وأضاف لو كان هناك خطاب ديني معتدل، لما وصل اليمن إلى ما وصل إليه.

وحرص الرئيس اليمني على تبرئة الدين الإسلامي من أعمال العنف وقال: الإسلام بريء من هؤلاء المتطرفين ولا علاقة للإسلام بالخطاب الديني المتطرف، كما انتقد الرئيس صالح بعض من يعتلون المنابر، ويقومون بتوجيه الشتائم والقدح، حتى يظن العامة أنه عالم (منصف) وأن الذي يتكلم بحق ونصح ووسطية (منافق للسلطة)، مشيراً إلى أن هناك جهلاً مازال مخيماً.

وفي لفتة ذكية ومهمة إلى علة مزمنة في الخطاب الديني السائد، وهي (النظرة المستريبة بالمرأة واعتبارها مصدر الفتنة والغواية) انتقد الرئيس صالح الخطباء الذين يخطبون ود المرأة عند الانتخابات باعتبارها مجرد (صوت) انتخابي، لكنهم يحتقرون المرأة ويعتبرونها (عورة) وقال: هؤلاء هم (العورة) فالمرأة هي الزوجة والأخت والأم والبنت وهي مكرمة.

التساؤلات المطروحة: لماذا هذا الخطاب السياسي الموجه للدعاة والوعاظ في استهلال هذا الشهر الكريم، وفي هذا الوقت بالذات؟ ما دلالاته؟ وما أهدافه؟

أولى دلالات هذا الخطاب، أنه يأتي في أعقاب المؤتمر التأسيسي لما سمي بـ(هيئة الفضيلة) الذي انعقد منتصف يوليو 2008 عبر تجمع حاشد ضم أكثر من 5 آلاف عالم دين وشيخ قبيلة، برئاسة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، تحت شعار «حتى لا تغرق السفينة» ومن أجل «حماية الفضيلة وحراسة الشريعة وثوابت الأمة» وأصدر بياناً قال فيه: إن إنشاء (هيئة الفضيلة) ضرورة شرعية ملحة لمحاربة ظاهرة الانحلال الأخلاقي المتفشية في المجتمع اليمني بسبب المخدرات والخمور والقنوات الجنسية والاختلاط بين الرجال والنساء وانتشار دسكات (أقراص) الخلاعة، مما ترتب عليها ضياع العفة وانتشار الرذيلة وكثرة الأولاد غير الشرعيين. لقد كان من تداعيات هذا المؤتمر، سيادة مناخ من (الرعب) على الساحة اليمنية، مما دفع المعارضة اليمنية وشخصيات فكرية إلى معارضة إنشاء هذه الهيئة وإعلان بيان يعبر عن مخاوف اليمنيين من أن تصبح هذه (الهيئة) نسخة أخرى من (هيئة الأمر بالمعروف السعودية) وتوقعت النخبة الثقافية والسياسية اليمنية أن تلعب (هيئة الفضيلة) دوراً سياسياً واجتماعياً معرقلاً للانفتاح والتقدم، أسوة ببقية الهيئات الدينية المماثلة في عدد من الدول الإسلامية، إذ أصبحت (أداة) لملاحقة الناس في الشوارع والمطاعم والمراكز التجارية، تتجسس عليهم، وتراقبهم، بحجة حماية الفضيلة والأخلاق وتستخدم في ذلك (عصا) السلطة و(صولجانها) وقد أصبحت شرطة دينية (قامعة) للحريات الشخصية و(خانقة) لكل مظاهر الفرح والبهجة والجمال و(طاردة) للاستثمارات الخارجية والسياحة و(مكفرة) لدعاة الانفتاح ومناصري حقوق المرأة والليبراليين المدافعين عن الحقوق والحريات، وقد كان المعارضون لـ(هيئة الفضيلة) محقين في مخاوفهم، إذ إن أولى ارهاصات الهيئة كانت في توزيع كتيب يحرم مشاركة المرأة في الحياة العامة، بحجة أنها تؤدي إلى خروج المرأة واختلاطها وانتشار الفوضى الجنسية.

يأتي خطاب الرئيس اليمني في هذا السياق، بهدف ترشيد الخطاب الديني، وتهدئة مخاوف اليمنيين، وطمأنتهم تجاه ما أثارته (هيئة الفضيلة) من فزع عام في الساحة اليمنية، وكذلك طمأنة المعارضة اليمنية بأن هذه (الهيئة) لن تكون (عصا) السلطة ضدهم، إنما وظيفتها تقديم النصح للأجهزة الرسمية ولن يكون لها أي دور (تنفيذي) إضافة إلى طمأنة المنظمات المعنية بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية، في أن الدولة مساندة وداعمة لتلك الحقوق، وبالأخص الرئيس اليمني بنفسه. وثانية دلالات خطاب الرئيس اليمني وفي هذا الوقت بالذات هي: طمأنة الأطراف الخارجية وبخاصة الجهات المعنية بالاستثمار والسياحة في اليمن والتي كانت تراقب الأوضاع الداخلية بشيء من القلق عقب مؤتمر هيئة الفضيلة، إذ كانت تتخوف من تداعيات عمل الهيئة على المشاريع السياحية والاستثمارية خصوصا أن الهيئة أعلنت أنها ستلاحق الجهات السياحية والفندقية التي تمارس مخالفات شرعية بحسب (مفهوم) الهيئة، وستستهدفها باعتبارها مروجة للمنكرات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق (بيئة) كارهة للأجانب و(طاردة) للاستثمارات و(معادية) للسياحة، ويأتي خطاب الرئيس اليمني لطمأنة الأطراف الخارجية على استثماراتها. أما ثالثة الدلالات والأهداف المتوخاة من هذا الخطاب، فهي: تبديد مخاوف الغربيين وغيرهم تجاه تصاعد الأنباء من أن «القاعدة» اتخذت من حضرموت ملاذاً أخيراً لعملياتها بعد انحسارها وفشلها في العراق والسعودية، خصوصا أن هذه الأنباء ربطت عودة «القاعدة» إلى اليمن بالتخطيط لتفجير منشآت حيوية من أهمها المطار والميناء ومؤسسة الكهرباء وعدد من الجسور، لولا أن القوات اليمنية تمكنت من كشفها. لقد حرص الرئيس صالح في خطابه السياسي على طمأنة كل الأطراف الخارجية من أن اليمن دولة تحظى بالاستقرار والأمن والطمأنينة وأنه لا خوف على السياح ولا على السياحة ولا على الاستثمارات، وقد كشفت الحكومة اليمنية أخيراً أن قوات الأمن نجحت في اعتقال (30) شخصاً ينتمون إلى «القاعدة» إضافة إلى تفكيك خلايا إرهابية نائمة، وقد أصبحت جميع المحافظات اليمنية تحت السيطرة الأمنية، وتمت تصفية كل الخلايا المسلحة التي كانت تستهدف السياح، كما تم القبض على الخلية الإرهابية التي قتلت عدداً من السياح الأسبان والمرشدين اليمنيين في يوليو 2007، وبسبب نجاح القوات اليمنية في احتواء الخطر الإرهابي، ألغت وزارة الخارجية البريطانية تعميماً سابقاً لرعاياها بعدم السفر إلى اليمن.

يأتي هذا الخطاب السياسي من قبل الرئيس اليمني حرصاً على تحسين صورة اليمن أمام العالم، وقد كان من الشجاعة أن صرح في هذا الخطاب بأنه أصدر قراراً في 17 يوليو بإيقاف الحرب ضد الحوثيين في صعدة –وهو قرار صعب– إيثاراً للسلام والاستقرار، لا خوفاً ولا جبناً بل من أجل الأمن والحرية ومصالح اليمن العليا... وقد صدق.

* كاتب قطري