إذا كانت رقابة الأجهزة الإدارية والدستورية لم تعد مجدية في كبح جماح الفساد والهدر والتخبط فلتكن الرقابة الإلهية وفي هذا الشهر الكريم مصدراً للإلهام والوازع ليس فقط لترجمة أهدافنا وطموحاتنا على أرض الواقع، بل للتعبد والتقرب إلى الله من خلالها.

Ad

نبارك للمسلمين حلول شهر رمضان الفضيل ونفحاته العطرة، وندعو المولى القدير أن يجعل أوقاته خيرا ومنفعة، وأن يشمل أمة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، برحمته الواسعة، وحقيقة لو أن الجميع أدرك بقناعة واعتقاد بركات هذا الشهر العظيم ومزاياه وعطاياه لتغيرت الحال تماماً، فما ورد من فضائل شهر رمضان تكفي لتحويل البشر إلى ملائكة يمشون على الأرض! وكيف لا يكون الأمر كذلك والصائم في هذا الشهر تحتسب أنفاسه تسبيحاً، ونومه عبادة وعمله في اكتساب الرزق جهاداً، في حين تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنان وتوصد أبواب النيران، وتكون خاتمة هذا الشهر العتق من النار؟!

ومن رحمة الله عز وجل ورأفته بعباده أن يجعل هذه المناسبة بنفس المزايا سُنة تاريخية تجدد كل عام لعل وعسى نستفيد منها ولو مرة في العمر، أو كمحطة تجب ما قبلها من الزلات والهفوات، وفتح صفحة جديدة فيا له من كرم يفيض إطلاقاً لا متناهياً، نحمدك يا رب على ذلك حتى يعجز القلب واللسان عن الحمد والشكر.

ولكن يبدو أن فطرة الناس وعنادهم وإصرارهم توازي في بعض الأحيان هذا العطاء الجم فيخسر من يخسر بركات هذه الأيام الجليلة والليالي المقدسة، وبنيّة مبيتة وبمكابرة عجيبة، فيتحول هذا الشهر إلى مرتع للنميمة وساحة للفساد وأداة للظلم.

ولعل ثقافتنا الكويتية والطبائع الرمضانية تساهم ليس فقط في خسارة بركات الشهر الفضيل بل تحويله إلى شهر عليل بمختلف الأمراض الاجتماعية والنفسية والسلوكية، نعم المساجد تعج في الكويت ولله الحمد بالمصلين والذاكرين وتتوج قدسية في ليالي القدر المباركة، وتقام موائد إفطار الصائمين على نطاق واسع، وتفرض هيبة وجلالة الصيام بقوة القانون الذي يمنع الجهر بالإفطار، وتتكثف الزيارات والروابط الاجتماعية والعائلية وتسمو الأرواح في عالم الإيمان، ولكن في المقابل هناك ما يعكر هذا الصفو الجميل، فمن بعض عاداتنا السيئة كثرة الأقاويل والإشاعات التي يمكن أن تنتشر كالهشيم بسبب الكم الهائل من اللقاءات والتواصل بين الناس، أو تحويل الزيارات القصيرة المتبادلة إلى منتديات للمناظرة وتبادل الاتهامات، ومن السلوكيات السلبية التقصير في العمل وتعطيل معاملات الناس بحجة الصيام والتعب، وخرق قواعد المرور بذريعة الاستعجال والازدحام.

أما بعض البرامج الإعلامية والأنشطة المقامة تحت عناوين الأمسيات الرمضانية فحدّث ولا حرج، ولا تعكس أجواء الصيام ولا الروحانية اللائقة بالشهر الفضيل، ويتم التسويق لها إما للترفيه وإما لقتل الوقت، ويجب التحذير من أمثال تلك الأعمال خصوصا التي تدعو إلى الفتنة أو الاستهزاء بقيم وعادات بعض الشعوب بأساليب رخيصة وتافهة.

وختاماً نصيحة نسوقها لأصحاب القرار والمؤتمنين على مصالح البلاد والعباد أن تكون نفحات شهر رمضان المبارك حاضرة في طرق تفكيرنا ورسم معالم مستقبل بلادنا، وتمكين الرقابة الذاتية على ما نصرفه من ملايين الدنانير التي زادت أخيراً إلى المليارات في مشاريع وخدمات حاضرة وآتية، فإذا كانت رقابة الأجهزة الإدارية والدستورية لم تعد مجدية في كبح جماح الفساد والهدر والتخبط فلتكن الرقابة الإلهية وفي هذا الشهر الكريم مصدراً للإلهام والوازع ليس فقط لترجمة أهدافنا وطموحاتنا على أرض الواقع، بل للتعبد والتقرب إلى الله من خلالها، ونيل الأجر على حسن إدارتها، والثواب على قطف ثمار نجاحها والاحتفال بعدها بعيد إدخال الفرحة والسرور على قلوب شعبنا الذي بات مثقلاً بالوجوم والإحباط واليأس، وما ذلك علينا جميعاً بكثير، ودعاؤنا للجميع بقبول الأعمال والطاعات.