يبدو أن «فاكسات» و«إيميلات» أربع عشرة صحيفة كويتية كانت خارج الخدمة طوال يوم الأربعاء الماضي، كما أن طواقمها من المحررين الذين «يحفُون» وراء ريحة الخبر كانوا أيضا متغيبين في إجازات طبية أو دورية أو حتى طارئة، لأنهم جميعا لم يتوصلوا أو يسمعوا في ذلك اليوم عن البيان المعمم صحافياً للنائب عادل الصرعاوي الذي تضمن رأيه في أداء رئيس مجلس الأمة السابق النائب جاسم الخرافي، ويبدو كذلك أن الصحف ليست فقط التي كانت تعاني ذلك العطل والتغيب، بل إن جميع محطات التلفزيون الفضائية الكويتية ووكالات الأخبار عبر الرسائل القصيرة والجرائد الإلكترونية، فيما عدا جريدة «الآن» الإلكترونية التي شاركت صحيفة «الجريدة» في نشر ذلك البيان.

Ad

ورغم عدم اتفاقي مع كل ما جاء في بيان الصرعاوي، فإنه يتضمن وقائع مثبتة وموثقة- دون أن يكون فيها أي تجاوز قانوني- تنقد أداء الخرافي الذي شغل ثاني منصب دستوري في الدولة، ويمثل الموقع الشعبي الأول لمدة عشر سنوات، وهو الموقع الذي يحظى بأهمية تخص كل جمهور الصحافة والإعلام المحلي. فعندما يتمكن من شغل هذا المنصب أو سيشغله مستقبلا بالهيمنة أو «الميانة» المفرطة على %99 من وسائل الإعلام التي تدّعي أنها مستقلة وحرة في البلد ولا تورد ما جاء في البيان فإنها بلاشك طامة كبرى تفقد الثقة بأحد أهم مكونات نظامنا الديمقراطي.

وفي بعض الأحوال يمكننا أن نتفهم أن يكون لشخص مصالح اقتصادية أو صلات اجتماعية تمنع نقده أو التعرض له في وسيلة إعلام ما، بسبب أدائه في موقع حكومي أو وزاري أو حتى تجاري يخص قطاعاً معينا من المجتمع، ولكن أن تتم «تعمية» جل وسائل الإعلام عن التطرق لأداء من يشغل منصبا يمثل رمز الديمقراطية والحريات، فهو، لعمري، يمثل النهاية لما نتغنى به من دولة الدستور والحريات.

والمؤسف أن هذا الأمر أخذ يتطور ويتمادى حتى امتلك نائبان في الدائرة الانتخابية الثانية «ذاتا إعلامية» لا تُمس، فلا تجد أي وسيلة إعلام مقروءة أو مسموعة أو مرئية على الأراضي الكويتية تسمح ببث أو نشر ما يمثل نقدا لهما، بخلاف المديح والتغني بحكمتهما وقيادتهما الملهمة وانتصاراتهما الانتخابية المؤزرة!

وحسب ما هو سائد عندنا فإنه لا يوجد تشريع قانوني يحاسب الصحف ووسائل الإعلام إذا قامت بحجب الخبر أو المعلومة عن مشتركيها ومشاهديها ومشتري خدماتها، سوى أخلاقيات المهنة، ولكن يبقى الحكم بيد جمهورها الذي يتخذ قراره حيالها بمنحها ثقته أو حجبها والامتناع عن متابعتها.

ولكن المفجع والصادم في الأمر، هو موقف أغلبية الكتاب الصحافيين الذين بنوا شهرتهم وبطولاتهم على صيت النقد اللاذع لممارسات بعض أبناء الأسرة الحاكمة السابقين والحاليين، وخوض معارك الحريات الصحافية، عندما يصبحون من أنجب تلاميذ وأتباع الحكمة الصينية «لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم» عندما يتعلق الأمر بالنائبين جاسم الخرافي ومرزوق الغانم، ولا يكون لهم موقف احتجاجي واحد ضد الصحف التي تحجب الأخبار التي تمسهما بالنقد.

كما أن ضمير هؤلاء الكتّاب لم يؤنبهم في مناسبات مماثلة سابقة، كونهم شركاء مع صحفهم في حجب الخبر وتضليل الشارع الكويتي الذي يوجهونه من خلالها، بل إن المستغرب أن بعضهم يلجأ إلى الكتابة في بعض المدونات الإلكترونية بأسماء مستعارة في كل ما يتعلق بنقد نائبي الدائرة الثانية المحصنين إعلامياً. فهل لنا عين أن نقول إننا نملك «صحافة حرة» بعد «فضيحة» تعامل الصحافة المحلية ووسائل الإعلام مع بيان الصرعاوي الأخير؟ وهل ستكون لأي مواطن حقوق متساوية لو اختصم لأي سبب مع أصحاب الـ«الذات الإعلامية»؟ ولنا في مساهمي الشركة الكويتية الصينية مثال على ذلك، فلم تجرؤ صحيفة على نشر شكواهم ضد الشركة راعية الاكتتاب والمتعهدة بإدراجها في السوق الكويتي أو تأتي حتى على «طاري» الخبر!

***

رغم الانتقادات الكثيرة لأداء الإدارة العامة للمرور ودورياتها، وما تتسبب به من تردًّ في أحوال الطرق والحوادث، فإن هناك رجالاً يقومون بمهامهم بإخلاص وضمير، وهذا ما رأيته من الوكيل ضابط فيصل عشوان الدوسري الذي كان يقوم بمهمته الأربعاء الماضي راجلاً في عز الظهيرة، وفي درجة حرارة تقترب من الخمسين في شارع الصالحية بالعاصمة لفتحه بعد أن تسبب بعض المخالفين بإغلاقه بسياراتهم... فهو عمل ينم عن التزام الدوسري بمهامه يستحق الإشادة في زمن أصبح فيه وجود رجل الأمن في الشارع نادراً وعصياً!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء