لحاچْ الله يَا نَفسي...لا تحدِينِي
كيف سرقت منا الأيام الجميلة ورموزها، وارتدينا عادات الجاهلية الأولى وقسمنا البلد، ورحنا نمزق بعضنا بعضا، ونتصارع على ثرواته ومنافعه؟ وكيف نسينا فهد العسكر وفهد بورسلي وعوض دوخي، ورحنا نمجّد ونستجلب رؤى المودودي والظواهري؟ وكيف...؟ وكيف...؟ وكيف...؟ آلاف الأسئلة الحائرة التي تبحث عن أجوبة.
«لحاچْ الله ياَ نَفسِي... علىَ الچايدْ تحديني تحديني على غروٍ... ضوَا خدَه كسرْ عينِي سلبْ عقـلِي بنفنـوفَهَ... وتفاصيلَه على المودَه عجيبة صبغةِ الساقينْ... وتعجِبْ زمةَ انهودَه» الله على جمال الكلام وروعة التعبير من الواقع المعاش وأدواته دون تكلف أو تصنع!! هذه سامرية قديمة أشهر من تغنى بها المطربة الكويتية الراحلة عائشة المرطة- رحمها الله- أنغامها تذكرني بزمن الجمال والبساطة، وليالي صالح شهاب للترويح السياحي الصيفي في حديقة الشعب في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما كان الجميع يردد معها هذه السامرية، والنساء تتمايل وابتسامات أم خالد وأم منور وأم عباس «شجاجية» من الوناسة والطرب، والبنات الصغيرات بـ«كشيشهم» التي تحاول أن تستجيب لهن لكي «يلفحون» قبل انتشار «الفير» والتمليس الياباني والأميركي، و«سناسين» الصبيان تمتد إلى قرب «الحنك» بقليل، وحبات العرق في ليالي أغسطس الحارة والرطبة تنزلق من الجبهة على الجفون فتحجب الرؤية بين حين وآخر. ورغم كل ذلك كان الناس سعداء ومرتاحين، ولا يشغل بالهم شيء، مطمئنين بأن القادم أجمل، وأن ورشة العمل في البلد من طرق ومدارس ومستشفيات ومناطق سكنية وأبراج الكويت والمطار الجديد ومسارح ستحول بلدهم إلى جنة، كانوا مؤمنين بأن الرجال والنساء الذين يديرون البلد سيحافظون على أمانته وهويته ويؤمّنون مستقبله. لم يكن أحد ينظر إلى أحد الميسورين في «الفريج» الذي يقضي العطلة الصيفية في ربوع لبنان أو القاهرة، فيقترض ليلحق بهم، ولم تكن الغيرة والحسد أو التباهي داء منتشراً بين الأغلبية. كيف سرقت منا تلك الأيام الجميلة ورموزها، وارتدينا عادات الجاهلية الأولى وقسمنا البلد، ورحنا نمزق بعضنا بعضا، ونتصارع على ثرواته ومنافعه؟ وكيف نسينا فهد العسكر وفهد بورسلي وعوض دوخي، ورحنا نمجّد ونستجلب رؤى المودودي والظواهري؟ وكيف...؟ وكيف...؟ وكيف...؟ آلاف الأسئلة الحائرة التي تبحث عن أجوبة من شعب ونظام فرَّط بدولة رائدة في المنطقة كانت في سبيلها إلى القمة، فارتدّت إلى المكان الذي انطلقت منه حتى لا نقول إلى القاع. فهل لنا بعد كل ما نعانيه ونمر فيه أن نهدأ، ونتبصر، لنجيب عن تلك الأسئلة الجواب الصائب، ولنستخلص العبر من مصائبنا، ولنعيد ذلك الزمن الجميل بروح العصر الحالي، ونسعى إلى أن نعيد اللحمة بين الكويتيين، ونصون وحدة مجتمعنا، ونعود جميعا لننصهر فيه بلا ميزة أو امتيازات سوى للأقدر عطاء للوطن وتضحيةً لأبنائه؟! إنها أمنيات! ولكنها ليست مستحيلة، إن تخلينا جميعا عن العناد والأنانية والانغلاق على النفس، وأقرب المحيطين بنا، وهو ما دمرنا... وحتى لا نظل نجاهد بالمواعظ ونتحدث عن الآمال، ونرهق البلاد ومقدراتها دون طائل... فيحق علينا أحد أشطر السامرية التي تقول: «تحدِيِني على الچايدْ... وقلبِي مَا يحصلْ منكْ مظْنونَه».