أغنية للفنانة أنغام

Ad

كلما سمعتها أثارت عصافير الشجون، وشَجَّرَت الوحشة، وخصوصا هذا المقطع:

«إلقى لك حدّ

لو ضاقت بيك... يفتح لك قلب!

يبقى لك...

صحبه وأهل وبيت

يناديك لو إنت فـ يوم ضليت

ويشوفك لو عـ الخلق داريت

ويحسك رغم البين والبعد!

إلقى لك حدّ!»

ليس هناك أروع من أن تعرف أن هناك دائما شخصاً ما على وجه الأرض تستطيع أن ترمي لحظتك الثقيلة في صدره، لتبقى خفيفا معافى بدونها!

على الأقل شخص واحد... تعرف أنه موجود في أي لحظة لأجلك، تأتيه محملا بالحزن... فيفتح أبواب قلبك المغلقة للأمل، ويفتح نوافذ روحك لضوء النهار، تأتيه ملء خُطاك خطايا، وملء رئتيك ذنوب، فتخرج منه مغسولا بماء السكينة، متوضئا بالطُّهر.

شخص واحد... حين يصبح رأسك ريشة تتقاذفها الريح، معلقة بين السماء والأرض، تفرّ إليه لتُلقي برأسك على صدره، ينتزع آهاتك الحارقة كما تُنتزع شظايا الزجاج المكسور من كف مصاب، يفتح كفيه على مصراعيها، حين تمتلئ عيناك بالدموع وتحيّرك دموعك: «أين تلقيها»؟!

يجمعك... حين تشتّتك المسافات، وحين تضيّعك الطُرق... يُعنونك!!

يكون الوطن حين يعز الحضن.

يكون المطر حين تجف الأغنيات.

لا يحول بينك وبين حنانه مسافة ولا وقت.

قالت لي ذات حزن: أتدري ما الموجع حقا؟! أن تداهمك لحظة ما فجأة، لحظة غامضة الشجن، حادة الحزن، وتحس أنك في هذه اللحظة بالذات بحاجة ماسة إلى شخص ما، لكن ليس كأي شخص، ولا كأي أحد، شخص يستحق بوحك الآن، ويسمعه، ويفهمه، ويحتويه، شخص يربّت على كتف همك، ويمسح بحنان على رأس حزنك، وتحس بأثر لمسته تسري في أغصان الروح، فيسري الدفء في شرايينك، وتنهمر الصباحات في أعماقك، شخص استثنائي بالنسبة لك، يملك هذه القدرة السحرية عليك.

في عزّ هذا الاحتياج، تمسك الهاتف النقال، وتفتح السجل المليء بمئات الأسماء، وتنتقل بالمؤشر بين الأسماء المرتبة أبجديا، من الألف إلى أن تصل إلى حرف الياء، وفي النهاية... لا تجد هذا الشخص بينها، لأنه أصلا ليس موجودا هنا ولا في أي مكان آخر تعرفه، هذا هو الموجع حقا!!!

سكتّ ولم أعلّق بحرف، لقد تخيّلت مدى الوجع.

كلنا بحاجة إلى هذا الشخص، ومن شدة احتياجنا إليه نحاول خلقه أحيانا من العدم، وقد نخترعه أحيانا، ونتوهمه أحيانا أخرى، ومن شدة احتياجنا إليه نحاول أحيانا «تجميع وجهه» من عدة وجوه، ومن بقايا ملامح،

شخص ذو مواصفات خاصة، شخص لا يحبنا فقط، ولكن يؤمن بنا...!

يؤمن بأننا نستحق العناء!

وبأننا نستحق التعب، نستحق أن يلفّنا كالأطفال الرُضّع بمهاد الحنان، وأن يكرّس وقته لرعايتنا والاهتمام بنا مهما كبرنا، وألّا يعنّفنا عندما نمارس شغبنا، ونكسر بدون قصد آنية العمر، أو تحفة غالية في إحدى زواياه! ونستحق أن يخضّب كفوفنا بنبل عطاياه، وقلوبنا بندى تسامحه!

شخص يؤمن أننا نستحق الحب، وأن محبته لنا، هديتنا له!

قد يكون هذا الشخص حبيباً، صديقاً، أباً، أماً أو أي كائن آخر، ولكن...

من ليس لديه مثل هذا الشخص... يتيم حتى لو لم يكُن كذلك.

من ليس لديه مثل هذا الشخص، فليس لديه أحد على الإطلاق!