دورات كأس الخليج لكرة القدم المتتالية، التي وصفها رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم القطري محمد بن همام بأنها «بطولة تحدٍّ بين الشيوخ»، كانت النسخة الأخيرة منها التي أقيمت في مسقط تجسيداً واضحاً لمقولة بن همام تلك، لما شابها من ممارسات وتصريحات إعلامية استفزت الكثيرين، فالرياضة في الدول الخليجية وبعض الدول المحيطة يشوبها خلط واضح بين السلطة السياسية (أو الحاكمة) والأنشطة الشبابية الرياضية، والمفارقة هنا أن ذلك الأمر لا يستفز اللجان القارية أو الدولية الرياضية ولا يدفعها إلى التصدي لمثل هذه الظاهرة الخطيرة أو شجبها.

Ad

ومَن يطلع على أحد مشاهد اللوم أو التوجيهات التي وجهها بعض رؤساء الوفود للاعبين والجهاز الفني والإداري، وهم مطأطئو الرؤوس في غرف الملابس أو على وجبات الطعام، يشعر وكأنه خارج العصر والمكان، وأن المكان الطبيعي لما يحدث هو كلية عسكرية أو ساحات الوغى.

ومع إقرارنا بالفارق الكبير في المقارنة، فإن للرياضة قصة طويلة مع السياسيين وأصحاب النفوذ، فالزعيم النازي هتلر استخدم دورة برلين الأولمبية في ثلاثينيات القرن الماضي وقبيل الحرب العالمية الثانية للهيمنة على الشباب الألماني وللدعاية السياسية، وكان الفريق الألماني في تلك الدورة أشبه بكتيبة من الجيش النازي تتلقى أوامرها مباشرة من الفوهرر، وهو الأمر الذي دعا الحركة الأولمبية الدولية إلى الخروج في ما بعد بقرارات عدة لفصل السياسة والقائمين عليها عن الأنشطة الشبابية حتى لا يستخدمها أو يستغلها السياسيون والباحثون عن السلطة والنفوذ لتحقيق أهدافهم.

وأخيراً عندما سقط نظام صدام حسين في العراق في ربيع 2003، اكتشف العراقيون وجهات دولية ما كان يحتويه مقر اللجنة الأولمبية العراقية في بغداد من زنازين وأدوات تعذيب وأنشطة استخباراتية ضد المواطنين هناك، وذلك في مبنى يحمل شعار وعلم اللجنة الأولمبية الدولية، وتوقع الجميع أن تتحرك اللجنة الأولمبية الدولية بسرعة لمراجعة قوانينها ونظمها للحد من استغلال السلطات السياسية والمقربين منها للأنشطة الرياضية، ولكنها للأسف تجاهلت الأمر وكأنه لم يكن، رغم أن الكثير من المعلومات والشكاوى خرجت من العراق قبل ذلك عن تصرفات عدي صدام حسين رئيس اللجنة الأولمبية العراقية في حينه مع اللاعبين والأجهزة الرياضية العراقية من اضطهاد وتعذيب، وبلغ الأمر حد التصفية الجسدية في بعض الأحيان.

لكننا لم نستغرب صمتهم كثيراً لعلمنا بمدى الفضائح والفساد الذي اكتشف في الحركة الأولمبية الدولية، خصوصاً فضيحة دورة «سولت ليك الأولمبية للألعاب الشتوية» وما اعتراها من رشاوى وخلافه. وندرك أن كثيرين في الهيئات الرياضية الأولمبية والاتحادات الرياضية القارية والدولية يسيل لعابهم عندما تُذكر أمامهم دول الخليج النفطية، فيغضون الطرف عن أي مخالفات بشأنها، ولاسيما أن ملاعب دول المنطقة والعالم الثالث التي تقام عليها أنشطة رياضية غالبا ما تضم صورا ورموزا وشعارات سياسية ودينية دون أن تبدي تلك الهيئات أي اعتراض يذكر.

لذلك، فإن مجرد الأمل في أن نشهد تحركاً رياضياً دولياً أو أولمبياً لمعالجة هذا الأمر أصبح شبه مستحيل، كما أن فرض تعديلات تحتم أن يتولى المناصب الرياضية من مارسوا لعبة رياضية على مستوى منافسات قارية على الأقل، هي قضية لا تحظى بأغلبية لإقرارها.

يبقى الأمل في أن تتحرك مؤسسات المجتمع المدني وهيئاته- بعيدا عن السياسيين- للضغط على اللجان الدولية الرياضية والأولمبية- ولو عبر علاقاتها مع الأمم المتحدة- بهدف مراجعة تشريعاتها ومواثيقها لفصل الرياضة ومبادئها الإنسانية السامية عن السياسة وأصحابها ونخبها الحاكمة أو السلطة أو النفوذ، حتى لا تتحول الرياضة إلى «مشاحاة»، وحتى نُجنِّب الرياضيين في منطقتنا عبء الضغوط التي تُمارس عليهم، ونخفف من جرعات السياسة المتدفقة على الملاعب الرياضية من بعض الباحثين عن المناصب والنفوذ في بلدانهم!

* «مشاحاة»: تعني باللهجة المحلية تحريض حيوان مقاتل في حلبة مصارعة تقام لهذا الغرض بين حيوانين شرسين يتعاركان حتى موت أحدهما أو هروبه من أجل الرهان أو المباهاة.