لسنوات، ظلت الهوة بين الإنترنت والصحافة التقليدية المطبوعة تتلخص في المصداقية، فالإنترنت لا يحظى بنفس المصداقية التي لدى الصحف المطبوعة، إلا أن هذه الهوة بدأت تقل إلى أن برز في العام الماضي موقع Politico.com السياسي الإخباري الأميركي، وهو موقع جمع أفضل الصحافيين المختصين بتغطية الأخبار السياسية في الولايات المتحدة من الصحف المرموقة ليضعهم في موقع واحد للإنترنت بات اليوم قبلة الأخبار السياسية في الولايات المتحدة على مدار الساعة، ولاتزال الهوة تتآكل في مجالات أخرى، ففي الرياضة موقع مجلة Sports Illustrated بات مقروءاً أكثر من النسخة المطبوعة للمجلة لما يحمله من أخبار على مدار الساعة في كل الرياضات، بالإضافة إلى استقطاب الكتّاب المفضلين لدى القراء للكتابة في هذه المواقع، أما مجلة فوربس المختصة في عالم الأعمال فكان موقعها على الإنترنت أشبه بمواقع الصحف الكويتية، لا يحتوي سوى على الأخبار المنشورة في النسخة المطبوعة، واليوم مع عزوف الناس عن الإعلام التقليدي، بات موقع فوربس على الإنترنت محطة لأكثر من 125 مصدراً إخبارياً تعمل على مدار الساعة، بالإضافة إلى مواد النسخة المطبوعة، وبات الموقع رديفاً للنسخة المطبوعة عبر توفير لقطات فيديو والمزيد من الصور للأخبار المنشورة في النسخة التقليدية المطبوعة.
صحف الكويت اليوم تعتمد بشكل كلي على نسختها المطبوعة، فيما يلجأ الناس- وبالأخص الشباب- إلى المدونات أو المواقع الإخبارية على الإنترنت للحصول على الأخبار أولاً بأول، وبالرغم من رداءة بعضها في نقل الأخبار، فهي تمتلك سرعة نقل المعلومة لكنها لن تكون بالضرورة معلومة صحيحة، وعلى الصحف اليوم أن ترفع من التنافس الإعلامي وترفع من سقف التعاطي الإعلامي على الأقل استعداداً لجيل القراء الجديد الذي لن يرضى بصحيفة مطبوعة بأخبار الأمس، بل سيطمح إلى موقع إلكتروني يحمل أخبار ما حصل قبل دقائق.يقول ريتشارد إيدلمان، الرئيس التنفيذي لشركة إيدلمان للعلاقات العامة التي تصدر سنوياً تقرير الثقة العالمي، أحد أهم التقارير العالمية في هذا المجال، إن العالم يشهد اليوم تغييرات عظيمة في عالم الإعلام ليس لها مثيل، وبات انكماش الإعلام التقليدي مسألة وقت لا أكثر... يبقى أن تُرغم وسائل الإعلام -كالصحف الكويتية- على التغيير أو تكون سباقة وجاهزة له متى ما أتى... فالشركات المعلنة، التي تعتمد عليها الصحف بشكل كبير، باتت تلاحظ أن الإنترنت هو وسيلة الإعلان الأنجح... وإن كانت الشركات في الكويت لم تقم بتغيير خططها الإعلانية حتى الآن من المطبوعات إلى الإنترنت- الأقل كلفة والأكثر تأثيراً- فإنها ستدرك ذلك عما قريب أسوة ببقية شركات العالم وسيصبح من الصعب على وسائل الإعلام التقليدية الاستمرار بوتيرة متكاسلة لا تخدم القراء ولا تخدم نفسها... وسنرى صحفاً من صحفنا المحلية متجهة نحو الإفلاس إضافة إلى «ميامي هيرالد» و«روكي ماونتن نيوز».***بعد كتابة هذا المقال، أعلنت شركة «تريبيون» الإعلامية الأميركية المالكة لصحيفتي «شيكاغو تريبيون» و«لوس أنجليس تايمز»، وهما اثنتان من أقدم وأعرق الصحف الأميركية، إشهار إفلاسها وفق القانون الأميركي، فيما أعلنت صحيفة «النيويورك تايمز» تفكيرها جدياً في رهن مبناها في مدينة نيويورك لمواجهة مصاعبها المالية.
مقالات
عالم متغير... وإعلام جامد (2- 2)
16-12-2008