الأهم هو... كيف نجحوا؟
كثيرة هي التحليلات التي تناولت نتائج انتخابات مجلس الأمة التي جرت أخيراً، ولكن من الملاحظ أن جُل هذه التحليلات قد انصب على عدد مَن نجح من كل طرف سياسي أو قبلي أو طائفي مع إغفال الإجابة عن التساؤلات الأهم؛ وهي كيف نجح مَن نجح وبأي طريقة؟ هل الغاية هنا تبرر الوسيلة؟ وهل كانت المعارك الانتخابية متكافئة بين الأطراف السياسية جميعها؟ هل يستطيع مثلاً مَن لا يملك المال أن ينافس مَن يملك الثروات الهائلة؟ ثم هل من الجائز ديمقراطياً حرق الأخضر واليابس وتجاوز القانون وممارسة السلوكيات غير الدستورية من أجل تحقيق التفوق العددي؟ هل يتساوى في المعركة الانتخابية مَن يسيطر على المساجد ويجيرها سياسياً ويستخدم الخطاب الديني والعاطفة الدينية والتأجيج الطائفي والنعرات القبلية ويستفيد من خدمات اللجان الخيرية وبيت الزكاة والجمعيات التعاونية وحتى حملات الحج والعمرة لدعم طموحه السياسي مع مَن لا يملك إلا برنامجاً وطنياً يتحدث فيه للناخبين عن المستقبل؟
ثم هل مَن باستطاعته أن يجير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة كافة لمصلحته كمَن لا يستطيع أن ينشر إعلانين صغيرين ليومين متتاليين؟ وهل من العدالة أن نقارن بين مَن يسيطر على أجهزة الدولة الرسمية خصوصاً التي لها علاقة مباشرة بالتوظيف وتقديم الخدمات العامة للمواطنين ويستخدمها سياسياً، وبين مَن تمنعه أخلاقه السياسية من أن «يتمصلح» انتخابياً من أجهزة الدولة؟ إذن حتى تكون المقارنة سليمة فلابد من أن يكون هناك تكافؤ في الإمكانات المتاحة لكل طرف من الأطراف السياسية، وهو ما لم يتوافر للأسف في الانتخابات البرلمانية السابقة كافة بما فيها التي جرت أخيراً.وأمام هذا الوضع غير المتكافئ، فإنه من الظلم وعدم الموضوعية المقارنة بشكل مطلق بين إمكانات وفرص نجاح القوى والعناصر السياسية جميعها لاختلال مبدأ تكافؤ الفرص. فمثلا الإمكانات المتاحة للتيار السياسي الديني، وهو يخوض الانتخابات العامة تختلف عن تلك المتوافرة للتيار الوطني الديمقراطي. فالأول، يكثر من الخطاب الديني في برامجه السياسية، ويستخدم منابر المساجد ودور العبادة وحتى التصفيات العرقية والطائفية للتسويق لأعضائه. أما الثاني، أي الوطني، فيعتمد فقط على ما يطرحه في برنامجه الانتخابي من قضايا عامة معتمداً على قدرة مرشحيه على إقناع الناخبين في الالتفاف حول هذه القضايا. وبالتالي فإن فرص التيار السياسي الديني في الوصول إلى الناخبين والتأثير فيهم أكبر من فرص غريمه السياسي. من هنا، فإنه من الضروري ترشيد العملية الانتخابية في المستقبل حتى تكون الفرص الانتخابية متكافئة، من خلال توافر أمور عدة من ضمنها:أولاً: تحديد سقف أعلى للصرف على الحملة الانتخابية. ثانياً: منع استخدام المساجد ودور العبادة واللجان الخيرية والجمعيات التعاونية للدعاية السياسية.ثالثا: السماح بإنشاء الأحزاب على أسس دستورية وديمقراطية لمنع قيام قوى وتجمعات عرقية وفئوية وطائفية يكون شغلها الشاغل تفتيت المجتمع من أجل النجاح في الانتخابات العامة.بعدئذ فقط يمكننا عقد المقارنة السليمة، حول نسب النجاح والفشل، بين الأطراف السياسية كافة.