أن تكون عربياً

نشر في 02-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 02-11-2008 | 00:00
 ياسر عبد العزيز يختلف المرشحان للرئاسة الأميركية أوباما الديمقراطي وماكين الجمهوري في كل شيء تقريباً؛ فهما اليوم تحديداً، وقبل ساعات من بدء التصويت، عدوان أكثر من كونهما خصمين أو متنافسين، كما أنهما متناقضان إلى أقصى درجة ممكنة... تناقضاً يستغرق مناحي السياسة كافة وربما الحياة بأسرها، لكنهما مع ذلك يتفقان تماماً في أمر واحد: الحط من قدر العرب والمسلمين، والتيقن من أنهم «مصدر شر»، يمثل البعد عنه غنيمة... وربما شرفاً.

ثمة احتمالات تعزز فرص ماكين في الوصول إلى البيت الأبيض؛ بعضها يتعلق بما يسميه الأميركيون «عامل برادلي»، وتفسيره أن يظل أوباما (الأسود) متقدماً على ماكين (الأبيض) في معظم استطلاعات الرأي، التي تجري في البلد، الذي شهد حرباً أهلية مريرة على خلفية أبعاد عنصرية، والذي لم يشف بعد من صراعات عرقية وضغائن إثنية، قبل أن يصل الناخبون إلى صناديق الاستطلاع، فيمنحوا أصواتهم للمرشح الأبيض، لأنهم لا يتصورون أن يحكمهم أسود، رغم أنهم لا يستطيعون أن يعبروا عن موقفهم هذا في استطلاعات الرأي. الاحتمال الثاني هو أن يُغتال أوباما قبل أن يتحقق حلمه، وهو أمر بات مطروحاً بقوة، ليس فقط منذ زلة لسان منافسته على الترشح باسم الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، حين فسرت إصرارها على المضي قدماً في التنافس على ترشيح الحزب لها، رغم تقدم خصمها الواضح، بالقول «ربما يتم اغتياله»، ولكن أيضاً بعدما أحبطت السلطات الأميركية مخططاً لاغتيال أوباما كما أُعلن أخيراً.

فإذا وصل ماكين إلى الحكم في البيت الأبيض فليس هذا سوى خبر أسود على العرب والمسلمين؛ فالرجل الضحل، الذي تحدث عن أن إيران تمول «طالبان»، واعتبر أن باكستان تقع على حدود العراق، والعصبي، الذي خضع للأسر وتخطى السبعين، والغارق حتى أذنيه في أوهام العنصرية والقوة، لا يرى في العرب والمسلمين سوى أعداء و»كائنات» غير جديرة بالاحترام.

لطالما كانت صورة العربي في الثقافة الغربية سيئة، وتبلورت هذه الصورة عادة في صيغة الـ «خمسة بي» 5 Bs؛ أي Bomber إرهابي مفخخ، Billionaire واسع الثراء، Bedouin بدوي، Belly Dance عاشق للرقص الشرقي، بما يمثله من فتنة حسية وإغواء، Bazaar رجل سوق ومساومة ومقايضات، لكن ماكين أضاف للصورة جديداً.

في أحد التجمعات الانتخابية لماكين قالت امرأة تدعى غايل كوينل إنها تخشى أن يصل أوباما إلى البيت الأبيض لأنه عربي، لكن المرشح الجمهوري حاول أن يبدو عاقلاً ومتسامحاً، فرد عليها بالقول: «لا يا سيدتي... أوباما ليس عربياً، بل هو رجل عائلة محترم تصادف أن اختلفت معه اختلافات جوهرية حيال برنامجينا الانتخابيين».

لا شك أن أوباما من حقه أن يؤكد أنه مسيحي مؤمن وليس أحد أتباع ديانة أخرى، لذلك فلا مجال لانتقاد تأكيداته على ذلك، حين قال لصحيفة «يديعون أحرونوت»، في فبراير الماضي: «من الضروري أولاً أن نبين الوقائع: أنا لست مسلماً، ولم أكن مسلماً أبداً».

لكن ما فعله ناشطون في حملته حين أبعدوا فتاتين محجبتين من خلف المنصة الرئيسة في أحد التجمعات الانتخابية التي أقيمت له يوضح أن الرجل أو القائمين على حملته لا يريدون أي رابط أو مؤشر يدل إلى احترامه أو تقديره للإسلام، خصوصا أنه كان قد زار إسرائيل في يوليو الفائت، حيث ارتدى الطاقية اليهودية، وزار «حائط المبكى»، مشدداً على الصداقة الأميركية- الإسرائيلية، وعلى الالتزام بأمن إسرائيل.

لا يمنع التزام أوباما بالمسيحية من ارتداء الطاقية اليهودية، لكنه يمنعه من الإشارة إلى أصوله، ويجبره على إبعاد أي مؤشر إسلامي عن حملته المتقدمة باطراد.

أما ماكين فهو يعتبر أن العربي «ليس محترماً» بالضرورة، فيما يفتش مناصروه في دفاتر خصمه عن مؤشرات أو وقائع أو حتى أوهام تربط بينه وبين أي شيء عربي أو إسلامي؛ ومن ذلك أحاديث عن دخوله مساجد، أو لقاءات جمعته بناشطين فلسطينيين، حتى يسهل وصفه بـ«الغريب» أو «الإرهابي».

لخص «جو السباك» الأمر تلخيصاً واضحاً، حين أعلن أخيراً عن اسم المرشح الذي سيمنحه اسمه في الانتخابات التي أوشكت على البدء، وينتظر العالم بأسره ما ستتمخض عنه. يمثل «جو السباك» الطبقة العاملة البيضاء في الولايات المتحدة الأميركية، والتي يشكو أفرادها من الضرائب التي تحد من طموحاتهم لتوسيع مشروعاتهم، ويتخوفون من احتمالات إقدام أوباما على رفع الضرائب على المشروعات الصغيرة في حال وصل إلى الرئاسة. ربما كان «جو» أقرب إلى انتخاب ماكين تخوفاً من فرض ضرائب جديدة عليه، وربما كان أكثر اقتناعاً ببرامج الجمهوريين الذين يشجعون السوق أكثر من برامج منافسيهم الديمقراطيين الذين يهتمون بالتكافل والضمان الاجتماعي والإصلاح الضريبي، وهذا حقه المشروع كمواطن يمارس حريته في انتخاب من يحكمه. لكن «جو» لم يستخدم هذه اللغة أو يلجأ إلى تلك الحجج حين أعلن أنه سيمنح صوته لماكين... هو فقط قال: «سأنتخب ماكين... لأنه أميركي حقيقي».

لم تزل الولايات المتحدة أسيرة لنقيصة العنصرية، وخلف كل تقدمها المادي الظاهر ترقد روح استعلائية مريضة، والجديد هنا أن رجلاً قد يصبح حاكماً لهذه الدولة لا يهمه سوى أن ينفي أي رابط بالعروبة أو الإسلام، فيما أفصح منافسه بوضوح عن رأيه في العرب، معتبراً أنهم بالضرورة «غير محترمين»، وهو أمر يبدو مرفوضاً على أي حال، ولا يعززه سوى أن أحداً من العرب الفاعلين أصحاب الأمر لم ينفض ساكناً أو حتى يعبر عن رفض أو استنكار لتلك الإهانة وذلك التحقير. وهو أمر، لو تعلمون، جلل.

* كاتب مصري

back to top