لعله أوّل إعصار مدمّر قد يتخطّى مشاهد الحطام المادي ليُلقي بثقله على نهجٍ سياسيّ في طور الولادة كان من المفترض أن يسجّل أول مخاض له أمس مع افتتاح فاعليات مؤتمر الجمهوريين في سان بول في مينيسوتا.
وقد يكون إعصار «غوستاف» آخر ما يحتاج إليه الجمهوريون في هذه المرحلة المفصلية الممهدّة لانتخاب قائد البيت الأبيض العتيد، سيما أنّ مشاهد «كاترينا» ما زالت ماثلة في أذهان المصوّتين الاميركيين مع ما ترتبّ عنها من خطأ فادح ارتكبه الجمهوريون قبل ثلاث سنوات حين كان الرئيس بوش في عطلة استجمام أثناء حصول الاعصار فعلّق على الكارثة بأعصابٍ باردة قائلاً: "بلع سكان نيو- أورلينز الموسى!" فأثار بقلّة تأثره الواضح بالمأساة سخطاً كبيراً جعله يضطر الى حصر زيارته الى المنطقة المنكوبة تحليقاً فوقها فحسب، وأصبحت صورته في طائرة الـAir Force One وهو يتأمّل مشاهد الدمار من خلف إحدى نوافذها رمزاً لأكبر خطأ ارتكبه رئيس بحقّ مواطنيه.وهذه الصورة بالذات هي التي يسعى جون ماكين الى النأي عنها، وهو مجهود ساعده فيه بوش شخصياً بإلغائه زيارته الى فاعليات المؤتمر واستبدال خطابه فيه بطلّة «فيديو لينك» عبر الاقمار الاصطناعية علماً أنّ زوجته لورا تشارك في الافتتاح. ويبذل ماكين مجهوداً مضاعفاً لمحو آثار ردة الفعل الجمهورية المتخاذلة عام 2005 بدأه برحلةٍ قام بها بمرافقة نائبته بالين الى ميسيسيبي لوضع خططٍ «جمهورية» لمواجهة الاعصار مستبدلاً قاموسه بمفردات «وطنية» بعيدة عن شعارات الحزب الجمهوري الحماسية حتى أنّ عديدين من طاقمه الانتخابي اعتبروا أنّ المسألة تخطّت مجرّد عقد مؤتمر حزبيّ الى «حاجةٍ وطنية»، مشيرين إلى احتمال غياب ماكين نفسه عن المؤتمر إن دعت الحاجة الى تواجده مع إخوانه المنكوبين «لإقران أقواله بأفعال ملموسة» لا شكّ في أنّها ستؤتي ثماراً أكثر من مجرّد كلمات سيتفوّه بها في مناسبة سياسية.وعبر قدرته على مجابهة الموقف بردّة الفعل المناسبة يظهر ماكين مجدداً بحلة السياسي المحنّك، ذاك الذي يحاول أن يرتقي بمقامه الى مصاف رجل دولة: «في أوقات المحن الكبرى نتصرّف كأميركيين وليس كجمهوريين أو ديمقراطيين!» علّق بنبرةٍ واثقة. وبدل الخطابات الرنانة والحفلات الصاخبة شمّر الجمهوريون عن سواعدهم لحملة تبرّعات واسعة النطاق على طريقة "التليتون" لمساعدة المنكوبين، فيما أكّد الخصم الديمقراطي باراك أوباما أنّه سيزور المناطق المتضرّرة شخصياً بعد نهاية الاعصار.وفيما يستمرّ التجاذب السياسي بين الحزبيْن المتصارعيْن أظهرت استطلاعات الرأي أنّ مؤتمر الديمقراطيين عبر بنجاح لم يترك أي أثر على النتائج الميدانية إذ بقيت متقاربة 49% لأوباما و48% لماكين.وما زال الجمهوريون يعوّلون على ورقة بالين رغم ما سجّله الاختيار من نتائج ضحلة عملياً إذ أظهر استطلاع مشترك بين CNN وUSA Today أنّ أكثر من نصف الأميركيين لم يسمعوا يوماً ببالين وأنّ 39% منهم فحسب يعتبرون أنّها جاهزة لحمل وزر الرئاسة في حال أصاب الرئيس ماكين أيّ مكروه، علماً أنّ الارقام المسجلة أدنى بكثير ممّا سجّل لدى اختيار الرئيس بوش سيناتور انديانا المغمور دان كويل، وما زالت الأصوات ترتفع شاجبةً خطوة ماكين لجذب أنصار هيلاري من الديمقراطيات وآخرها ما قاله السيناتور جون كيري بأنّ تكتيك ماكين يشكّل «إهانةً» الى كلّ نساء العالم لمجرّد تلميحه الى أن مسألة «الجنس لديهنّ أهمّ من مسألة السياسة». وجهة نظر قد لا يشاطرها الديمقراطيون أنفسهم الذين دعوا الى عدم الاستخفاف ببالين وعدم الركون الى الاعتقاد بأن جوزف بايدن -الذي يستعدّ لمناظرةٍ كلامية معها في سانت لويس في 2 أكتوبر لإظهارها على قدرٍ من الغباء في مسائل ملحة كالعراق وروسيا -سيقطع الطريق أمام عرّابها إلى البيت الأبيض!
دوليات
«غوستاف»... سوء طالع لماكين أم فرصة لإثبات تميّزه؟
02-09-2008