الديمقراطية ليست ديكوراً
ليس من قبيل المبالغة إن ذكرنا أن إبداء الرأي الحر في الشؤون العامة، هو إحدى السمات العامة التي تميز المجتمع الكويتي تاريخياً. وقد أتى دستور 1962 ليثبّت هذا الوضع المجتمعي العام. لذا نلاحظ أنه حتى أثناء فترات الانقلاب على النظام الديمقراطي وتعطيل الدستور عامي 1976 و1986، فإن الكويتيين كانوا يعبرون عن وجهات نظرهم علانية ومن دون خوف أو وجل.
«حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»... مادة (36) من الدستور.كثيراً ما نتباهى بأننا بلد ديمقراطي نختلف عن محيطنا العربي بما نتمتع به من حرية إبداء الرأي ومناقشة مشاكلنا العامة علانية وبدرجة لا بأس بها من الشفافية. وهذا تاريخيا هو ما يميز الكويتيين، حتى قبل وضع الدستور عام 1962. وقد لعبت ولاتزال الدواوين، التي تناقش فيها الأمور والقضايا العامة بكل شفافية والتي يقل نظيرها في دول الجوار، دوراً بارزاً في تعوّد الكويتيين على إبداء آرائهم العامة بحرية. لهذا فليس من قبيل المبالغة إن ذكرنا أن إبداء الرأي الحر في الشؤون العامة، هو إحدى السمات العامة التي تميز المجتمع الكويتي تاريخياً. وقد أتى دستور 1962 ليثبت هذا الوضع المجتمعي العام. لذا نلاحظ أنه حتى أثناء فترات الانقلاب على النظام الديمقراطي وتعطيل الدستور عامي 1976 و1986، فإن الكويتيين كانوا يعبرون عن وجهات نظرهم علانية ومن دون خوف أو وجل، وقد تجلى هذا بشكل واضح في اللجان الشعبية التي شُكلت كلجنة الخمس والأربعين، وأيضا في تحركات «ديوانيات الاثنين» المطالبة بعودة العمل بالدستور، وفي مؤتمر جدة عام 1990. كان هذا -ولايزال- هو طبع الكويتيين الذي أصبح يمثل قيمة اجتماعية راسخة أطّرها الدستور. ومن شديد الأسف أن هنالك من لايزال يتوهم، وبعد أن بلغت تكنولوجيا وسائل الاتصالات من التطور حداً لا يمكن تصوره، أن باستطاعته الحد من حرية إبداء المواطنين لآرائهم تحت حجج واهية مثل الالتزام بقانون الخدمة المدنية، وهو القانون الذي أُقر عام 1979، أي خلال فترة تعطيل العمل بالدستور، وقد عفى عليه الدهر الآن، وآن الأوان لتغييره.هذا الوهم الذي لا يزال بعضهم يحمله، إن دل على شيء فإنما يدل على عدم الإيمان بالمبادئ الديمقراطية التي جسدتها المادة (36) من الدستور. كما أنه يدل على الجهل التام بما توصلت إليه النظريات العلمية الحديثة في العلوم السياسة وعلم النفس وعلم الإدارة من أنه من مصلحة المجتمع بشكل عام والمنظمات الإدارية بشكل خاص أن يتم تبادل الآراء وتوجيه الانتقادات علانية، بدلاً من استخدام القنوات السرية التي دائماً ما تكون مضرة، خصوصا إذا ما عرفنا القدرة الفائقة لوسائل وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة على تسهيل عمليات تبادل المعلومات والبيانات. وبالطبع، فإن من حق أي جهة عمل أو أي شخص يعتقد أنه متضرر مما يُكتب في الصحافة أن يلجأ إلى القضاء، فهو الجهة الوحيدة التي لها الحق في الفصل في مثل هذه القضايا، أما محاولات التضييق على الموظفين العامين لمنعهم إبداء آرائهم علانية وإحالتهم إلى لجان تحقيق إدارية ومعاقبتهم بالخصم من مرتباتهم، فتلك كلها أمور لا تستقيم مع كوننا بلداً ديمقراطياً يحكمه الدستور، فالديمقراطية ليست ديكوراً... بل هي أسلوب ومنهج وممارسة حياتية.