إن المستوطنات هي صنيعة الكيان الاستيطاني، قامت وتوسعت وتستمر بدعمه وحمايته، ولا فارق في ذلك بين الصقور والحمائم، فالكل لاسيما في موضوع المستوطنات هم أقرب إلى الصقور!!
ظلّت مسألة المستوطنات إحدى المسائل العقدية في الصراع العربي-الإسرائيلي، مثلها مثل مسألة القدس ومسألة اللاجئين وحق العودة ومسألة الحدود، إضافة إلى التفريق بين المقاومة والإرهاب، ولعل هذه المسائل ظلّت عالقة منذ وصول اتفاق أوسلو إلى طريق مسدود، خصوصاً أن المرحلة النهائية له كانت قد تحددت في العام 1999، وهو ما حاولت إسرائيل المماطلة به، بل الضغط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على قبول تسويف هذه المسائل التي تم الاتفاق على بحثها بعد خمس سنوات على اتفاق أوسلو.وبسبب التعنت الإسرائيلي ورفض بحث ما بعد أوسلو، لاسيما المسائل العقدية، التي تشكل كلّ واحدة منها مشكلة عويصة ومعقدة، ويتوقف على حلّها التوصل كل على حدة وبالتداخل مع المسائل الأخرى، الوصول إلى تسوية سلمية ولو بحدها الأدنى للصراع العربي-الإسرائيلي في إطار ما سمّي بالشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، نقول وبسبب ذلك اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 سبتمبر عام 2000، والتي قمعتها إسرائيل بوحشية وقسوة لا مثيل لهما، بما فيها محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات واقتحام المدن والقرى الفلسطينية وقتل السكان المدنيين الأبرياء وبناء جدار للفصل العنصري، لتقطيع أوصال ما تبقى من فلسطين، بحجة منع التسلل وكبح جماح الإرهاب والإرهابيين، وهو المصطلح الذي تستخدمه إسرائيل عندما تصف المقاومة والمقاومين.ويكاد يكون موقف القيادات الإسرائيلية بشكل عام من موضوع المستوطنات موحداً، فهي حسب بعض التبريرات الإسرائيلية الصهيونية تحقق فوائد كبيرة لدولة إسرائيل، لاسيما بسيطرتها على الموارد الفلسطينية، وتأمين منطقة عازلة بين الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر وكذلك لعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها بعضا، وبالتالي فإن وجود المستوطنات سيكون لغماً حقيقياً يواجه تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للعيش والحياة.وتصبح المستوطنات مع مرور الأيام أراضي لدولة إسرائيل ومصدرا دائما للتهديد يتوسع ويكبر باستمرار، فحتى عام 1948 (أي حتى قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948) لم تكن سوى 7 مستوطنات يهودية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد عدوان 5 يونيو عام 1967. وكانت نسبة اليهود لا تزيد على 1% في تلك المناطق، ولكن عددهم ارتفع على نحو سريع، فحتى مطلع التسعينيات كان نحو 97 ألف يهودي يعيشون في 180 مستوطنة في الضفة الغربية ويهيمنون على نصف أراضيها، ويستوطن في القدس الشرقية 155 ألف يهودي، كما سيطرت إسرائيل على جميع الموارد الحيوية في الضفة الغربية، وبلغ سكان القدس عام 1992، نحو 555 ألف نسمة، منهم 400 ألف يهودي، وقبل العام 1967 لم يكن العدد يزيد على 196 ألف يهودي، وقامت السلطات الإسرائيلية بإلغاء إقامات عدد غير قليل من العرب الفلسطينيين في القدس بحجج «قانونية» واهية، إما بسبب السفر أو التأخر في طلب التمديد، في حين أن القوانين الإسرائيلية تمنح اليهود، بغض النظر عن سكناهم وبلدانهم، الحق في الحصول على الجنسية الإسرائيلية، بينما سكان البلاد الأصليين يحرمون منها.وإذا كان تصريح أولمرت أخيراً قد أثار الدهشة عندما قال: إن المستوطنين يشكلّون تهديداً للديمقراطية في إسرائيل، فلم يسبقه في مثل هذا التصريح أحد من الزعماء الإسرائيليين، فهو كان يريد إنهاء فترة حكمه الملتبسة بمثل هذا التصريح الملتبس والمفاجئ لاسيما أن مستقبله السياسي كلّه كان على كف عفريت، خصوصاً اتهامه بالفساد! أو أنه جاء «يائساً» لإرضاء سادة البيت الأبيض، خصوصاً بعد ضغوط المجتمع الدولي!كان شارون سلفه قد صرح بعد الاستيلاء على أول شقة في الحي الإسلامي في القدس «لقد وضعنا لأنفسنا هدفاً يقضي بألا يبقى مكان في القدس الشرقية بلا يهود» واعتبر شامير المستوطنات ضمانة وحيدة ضد السيادة العربية غربي نهر الأردن، وكان رابين قد اعتبر مسألة المستوطنات حقا لا يقبل الجدل، وهو ما كان بيغن يردده أيضاً «للشعب اليهودي الحق في استيطان الأراضي المحتلة».ولعل كل هذه التصريحات للقيادات والزعامات الإسرائيلية تعتبر مخالفة لقواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والثاني الخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية، إضافة إلى قواعد القانون الدولي التعاقدية والاتفاقية من جهة والعرفية من جهة أخرى، وقواعد القانون الدولي لاسيما الآمرة Jus Gogens التي لا تجيز احتلال الأراضي والاستيلاء عليها أو ضمّها وإلحاقها بالقوة أو الحصول على مكاسب سياسية بسبب الاحتلال.يبدو أن تصريح أولمرت لا قيمة له لاسيما توقيته، خصوصاً بعد الفضيحة التي لحقته وانتهاء مدة ولايته، فلا فرق حتى الآن واضحا بين الصقور والحمائم إزاء المستوطنات، وقد عبّر بن عايزر وزير الإسكان في حكومة شمعون بيريز بالقول: الفارق بين حزب العمل وكتلة الليكود في بناء المستوطنات، هو أنني أبني بصمت وهدفي أن أبني وأبني، والمهم هو البناء ثم البناء... وهكذا. ولعل هذا هو موقف كاديما بما فيها السيدة ليفني المكلّفة بالوزارة الإسرائيلية بعد انتهاء ولاية أولمرت.إن تبريرات الحركة الصهيونية بشأن المستوطنين تقول إنهم بشر مؤمنون جاؤوا إلى أرض إسرائيل «المقدسة» لأسباب دينية وعاطفية، وتسعى جاهدة لنفي الأسباب الاقتصادية لمجيئهم إضافة إلى الجانب العقائدي المتعصب والمتطرف لدى الكثيرين منهم، وهم يحصلون على معونات ضخمة جداً، بما فيها المنازل.وإذا أردنا وضع كلام أولمرت في سياقه السياسي فقد جاء إرضاءً للولايات المتحدة، حتى لو كان لفظياً، لاسيما بعد ضغوط المجتمع الدولي الذي يسعى لإيجاد حل للخروج بسلام حتى إن كان دون الحد الأدنى.وإذا كان أولمرت يؤمن بأن المستوطنين يشكلون خطراً على الديمقراطية وبالتالي على السلام، فلماذا لم يبدأ في فترة حكمه بتفكيك المستوطنات وإعادة المستوطنين من حيث أتوا، وإذا كان أولمرت أو غيره يبررون بألا طاقة للدولة العبرية بمنع بناء المستوطنات أو التوسع فيها لا سيما بالضد من القانون، إلاّ أن الحقيقة أن المستوطنات هي صنيعة الكيان الاستيطاني، قامت وتوسعت وتستمر بدعمه وحمايته، ولا فارق في ذلك بين الصقور والحمائم، فالكل لا سيما في موضوع المستوطنات هم أقرب إلى الصقور!!* باحث ومفكر عربي
مقالات
المستوطنات الإسرائيلية: الصقور والحمائم!!
24-10-2008