أبو عيدة... وأبو خرشد !
موقع «اليوتيوب» هو أفضل ما قدمه الإنترنت لمستخدميه، فهو مكتبة وثائقية ضخمة، فيها كل الأغاني والمسلسلات والأفلام والبرامج القديمة التي لم نشاهدها من أعوام طويلة، وكدنا ننساها تماماً، حتى جاء «اليوتيوب» ليذكّرنا بها وبأيامها الجميلة التي لن تعود أبداً!قبل قليل دخلت هذا الموقع الرائع واستمتعت بمشاهدة بعض الأغاني الكويتية القديمة «الأسمرانية» لليلى عبدالعزيز و«ديرة العشاق» لفيصل عبدالله و«أبو عيون فتانة» لعبدالكريم عبد القادر، ودهشت وأنا أتابعها بأن عادات وتقاليد المجتمع الكويتي كانت منفتحة بعض الشيء، ومختلفة عما يتصوره بعض الإخوة هذه الأيام!
ثم شعرت بنفسي أرجع صبيا صغيراً، وأبحث عن مسلسلات كرتونية قديمة من أيام الطفولة والصبا، مثل «مغامرات سندباد» و«الغواصة الزرقاء» و«أبطال الملاعب»! وهو من بطولة اللاعب المعتزل «حميدو شامل» الذي كان يتدرب على التسديد بركل أي شجرة أمامه، وبما أنه كان مثلي الأعلى في تلك الأيام فقد حاولت تقليده مرة وكانت النتيجة إصابة شديدة في القدم، فسدرة منزلنا كانت «ناشفة حبتين» ولا تصلح للتدريب عليها!ثم شاهدت مقاطع لبعض البرامج القديمة والجميلة التي كان الجميع يحرص على مشاهدتها في الثمانينيات، ويقدمها عمالقة الإعلام الكويتي الذين كانوا يتسمون بالرزانة والحرفية والثقافة العالية، مثل النجار والسنعوسي والشطي والمحيلان وعلي حسن وغيرهم من الكفاءات التي تميز بها تلفزيون الكويت دائما، وبالفعل وجدت العديد من المقاطع لبرنامج «لقاء الخميس» و«شبكة التلفزيون» و«السنعوسي» و«نادي السينما» وتساءلت عن السبب في توقف البلد عن إنجاب كفاءات إعلامية بمستوى هؤلاء الكبار؟!ثم تذكرت ما حدث قبل أيام في الديوانية، حين أصر أغلبية الحضور على متابعة برنامج «أبو خرشد» فيما رفض الأقلية ذلك، و«أبو خرشد» هو آخر نجوم القنوات الفضائية الكويتية، وهو من خطف الأضواء من زميله «أبو عيده» الذي حظي برنامجه طوال الشهور الماضية على أعلى نسبة مشاهدة بين جميع البرامج وبلا منازع! كانت حجة المعترضين أن برامج مثل «أبو خرشد» و«أبوعيده» تمثل هبوطا لمستوى الإعلام الكويتي الذي كان في القمة فأصبح في القاع، وأن مشاهدة هذه البرامج فيها تشجيع للقائمين عليها بالاستمرار في إعطاء صورة مشوهة وغير حقيقية للمجتمع الكويتي، الذي أصبح «فرجة» لمن هبّ ودبّ في الآونة الأخيرة بسبب إعلامنا الذي يجعلنا نبدو أمام الآخرين وكأننا شعب «فاضي» لا شغل لديه سوى الشكوى والتذمر من كل شيء!فيما كان رأي الأغلبية أن «أبو عيدة وأبو خرشد» يقدمان مادة خفيفة ومسلية فيها الكثير من الفائدة والمنفعة للمشاهد، وأنهما يعرضان الصورة الحقيقية التي لا نريد أن نعترف بها لمعاناة الكثير من المواطنين البسطاء الذين لا يجدون من يهتم أو يكترث لمشاكلهم، وأنهما أصبحا صوت من لا صوت له، ويكفي أنهما يمتلكان «كاريزما» و«كركتراً» خاصا جعل منهما اسمين يترددان على كل لسان في وقت وجيز، أليس هذا دليل نجاح؟!صديق بجانبي سألني: «وأنت ما رأيك؟» ولم أجد حقيقة ما أجيب به، نظرت في «اللاب توب» ووجدت في موقع اليوتيوب «مغامرات سندباد» فتذكرت عبارة «علاء الدين» الشهيرة التي يقولها دائما «إنها مشيئة الله يا سندباد» ثم تابعت «أبو خرشد» وهو يغرد مع أحد المتصلين «هلا بالحبييييب»، وقلت لصديقي الذي انتظر جوابي طويلا «إنها مشيئة الله يا صديقي... إنها مشيئة الله»!ولاأزال حائرا، لماذا يتابع معظم الناس «أبو عيده» و«أبو خرشد»؟! هل لأنهما حقا يعبران عن واقع المجتمع الكويتي ومشاكله ومعاناته، أم أننا يئسنا من الإصلاح تماما وأصبنا باللامبالاة حتى خلطنا الجد بالهزل، وتحول الأمر برمته في نظرنا إلى مجرد وناسة وغشمرة وقضاء وقت ممتع ومسلٍّ أمام شاشة التلفزيون حتى إن كان الحديث عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعن مستقبل البلد؟!هل متابعة الناس الكبيرة لبرامج من نوعية «أبو خرشد» و«أبو عيدة» هي مؤشر واضح لهبوط مستوى الوعي الثقافي والسياسي لمجتمعنا كما يزعم أحد الأصدقاء؟! أم أنها مجرد متنفس و«فش خلق» لمواطنين بسطاء لا يجدون لهم نصيبا في اهتمامات أعضاء الحكومة ونواب المجلس المشغولين بصراعاتهم التي لا تنتهي؟!حقيقة... لا أعلم!