فيلسوف الليبرالية

نشر في 25-04-2009
آخر تحديث 25-04-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان استطاع جون لوك وغيره من الفلاسفة التنويريين تحرير وتخليص مجتمعاتهم من الاستبداد والقمع والطغيان التي تغطت بعباءة المقدس من خلال تأسيسه للفلسفة الليبرالية المتسامحة إنطلاقا من مبدأ الحرية الفردية الذي لا يعني حسب لوك «الإباحية إنما المسؤولية».

أحدث الفيلسوف جون لوك ثورة فلسفية كبرى تبلورت بعد أحداث سياسية واجتماعية عصيبة كالصراع المحتدم بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من جهة والحرب الأهلية التي اندلعت في إنكلترا سنة 1640 من جهة أخرى. حيث سيطرت الجماعات الدينية وأقحمت نصوصها المقدسة في السياسة والمجتمع، الأمر الذي أدى به إلى الهروب إلى بلد آخر خوفاً من الاضطهاد والملاحقة. وقد أسس جون لوك فلسفة الديمقراطية الليبرالية التي ترتكز على العقد الاجتماعي من خلال تحديد القوانين الدستورية التي تنظم العلاقات السياسية آخذاً بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال كل سلطة عن الأخرى، والذي أسس بدوره فكرة الدولة المدنية التي تستند إلى سلطة القانون وحده، والتي تمنح المجتمع المدني سلطة متكافئة مع السلطة السياسية.

ولم يغب عن وعي جون لوك أهمية المسؤولية الأخلاقية في تشريع القوانين، إذ أسس مفهوم التسامح الذي تدور حوله الفلسفة الليبرالية، فهو جوهرها وأهم قيمها. ومبدأ التسامح هنا يحث على أهمية فصل الدين عن السياسة، فغياب التسامح يؤدي إلى خلط المقدس بشؤون الدنيا وفرض الحقيقة الواحدة وبذلك ينشأ التعصب الطائفي المقيت والنزاع المذهبي المهلك. وما تاريخ فظاعات الحروب وبحور الدماء التي تسببت بها النزاعات الطائفية والتناحر المذهبي بين الأصوليات المتعصبة في أوروبا إلا دليل ساطع على غياب التسامح وتسييس الدين، بدءا من المذابح الطائفية في فرنسا مروراً بحرب الثلاثين سنة في ألمانيا إلى الحروب الأهلية الدينية في بريطانيا. فقد قال ديورانت إن في أتون حرب الثلاثين عاماً «ذَوَت وذبلت الفنون والآداب التي كانت تضفي على المدن شرفاً ومجداً، وانهارت الأخلاق والروح المعنوية على حد سواء، واختفت كل المثل الدينية والوطنية بعد جيل ساده العنف».

ومن هذا المعطى يرفض لوك في كتابه «رسالة في التسامح» السلطة المطلقة وفرض الرأي الواحد... كما يؤكد أهمية حرية الاعتقاد التي تضمن سلامة المجتمع المدني حيث «أن حقوق وسلطة السلطة المدنية تنحصر في المحافظة على الخيرات وتنميتها خصوصاً دون غيرها، ولا ينبغي أو لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمتد إلى نجاة النفوس»، فالأديان جميعها وجدت لكي تحفز على السلام والتسامح لا على العنف والنزاع والاقتتال، وهي علاقة تعتمد على حرية إيمان المؤمن بربه دون فرضه بالقوة من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية. فالسياسة معنية بالدنيا لا الآخرة، والشأن المدني وحقوق وواجبات المواطنين هم أساسها وجوهرها... أما الإيمان فهو أمر شخصي باطن لا دخل للدولة فيه.

لقد كان لأفكار جون لوك الأثر العظيم في تأسيس النظام الليبرالي الديمقراطي الحديث الذي مهَّد لبزوغ فجر عصر التنوير والتسامح الديني في أوروبا، كما ساعدت على ظهور «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» وثبّتت مفهوم دولة القانون. فقد استطاع جون لوك وغيره من الفلاسفة التنويريين تحرير وتخليص مجتمعاتهم من الاستبداد والقمع والطغيان التي تغطت بعباءة المقدس من خلال تأسيسه للفلسفة الليبرالية المتسامحة انطلاقا من مبدأ الحرية الفردية الذي لا يعني حسب لوك «الإباحية إنما المسؤولية»، فالحرية بالنسبة له «تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين».

هل اتضحت رسالة ما بين السطور؟ وهل نستوعب دروسها التاريخية؟ 

back to top