لحّن لعبد الحليم حافظ ياهلي يكفي ملامي والعتاب عبدالحميد السيّد... من الموشّح الديني إلى آفاق الطرب الأصيل!

نشر في 18-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 18-09-2008 | 00:00
ازدهرت الحركة الغنائية الكويتية في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم، وظهر كثير من المطربين الذين اشتهروا في تلك الفترة، من بينهم الفنان القدير الملحن عبدالحميد السيد، الذي كان أحد عناصر ازدهار الأغنية الكويتية وانتشارها في الدول المجاورة، وكان من أوائل الذين بثت الإذاعة المحلية أغنياتهم.

ولد المطرب عبدالحميد السيد هاشم السيد عبدالوهاب الحنيان في مدينة الكويت عام 1938، كان والده مدرساً في مدرسة الجهراء حيث تعلّم على يديه الكثير من وجهاء رجالات القوم وكبارهم في الكويت. كان الفنان  يرافق والده إلى مدرسة المباركية، حيث نُقل من الجهراء إليها. بالإضافة الى أن والده كان يمتلك مدرسة خاصة به، ما جعل ابنه ينشأ في أجواء من حب العلم والثقافة.

التحق السيّد في أوائل حياته التعليمية بالمعهد الديني الذي كان يقدم إعانة للطالب قدرها 40 روبية شهريا، وعلى الرغم من ذلك لم يكن مرتاحاً فيها فانتقل بعد ذلك إلى مدرسة حي «الروضة»، ثم إلى مدرسة الأحمدية 1949، وبعد أن أمضى عاماً في مدرسته تلك عاد أدراجه إلى المعهد الديني عام 1950 وبقي فيه أربعة أعوام أتقن خلالها تلاوة القرآن الكريم.

إذاعة الكويت

عمل السيد في بداية حياته قارئاً للقرآن الكريم في إذاعة الكويت بين عامي 1952 و1958، كذلك عمل خلال تلك السنوات كاتباً في الجمارك، ثم انتقل للعمل موظفاً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيث حظي باهتمام الفنانين حمد الرجيب ومحمد النشمي، وهما من كبار موظفي الوزارة، من ثم انتقل إلى وزارة الإعلام في إطار خطة الوزارة آنذاك لتسهيل ممارسة الفنانين للإنتاج الفني المتميز.

خلال تلك السنوات، كان السيد مولعاً بالاستماع إلى صوت أم كلثوم وأغنياتها، وكان يرددها بالإضافة إلى أغنيات الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب الذي غنى له في ما بعد أغنية في التلفزيون بعنوان «مضناك جفاه مرقده» من إخراج أمين الحاج متقي، وأغنية أخرى من تأليف حسين السيد وألحان عبدالوهاب وهي بعنوان «إنت إنت ولا انتش داري»

محمد حسن صالح

تتلمذ السيد على يد الفنان محمد حسن صالح عام 1957 الذي علّمه قواعد الموسيقى والنوتة وغناء التوشيحة والسماعيات.وكان السيّد يسهر حتى الصباح في الغرفة بعيداً عن والده الذي لم يكن موافقاً على هذا التحول في حياة ابنه الذي أخذ يتعلم العزف على آلة العود باجتهاد شخصي منه، ويردد أغنيات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، والموشحات الدينية ويلحن بعضها ثم بدأ يمارس الغناء، وإن كان على نطاق ضيق وخاص.

مركز الفنون الشعبيّة

انتقل السيد عام 1958 إلى مركز الفنون الشعبية الذي افتُتح قبل ذلك بعامين بعد أن تلقى دعوة من حمد الرجيب الذي كان مديراً لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك، وصاحب فكرة إنشاء هذا المركز ودعمه بما يحتاجه بكل الوسائل وتشجيعه للفنانين الكويتيين، وهناك وجد كل ترحيب وتشجيع من زملائه الفنانين الكويتيين مثل سعود الراشد وأحمد الزنجباري وأحمد باقر وشادي الخليج ومحمد التتان، حيث لجأ إلى اللجنة التي كان يرأسها في ذلك الوقت الرجيب الذي كان يعزف على القانون وكان معه الفنان سعود الراشد يعزف على العود، وتضم اللجنة مجموعة من الفنانين والشعراء أمثال الشاعرين أحمد العدواني ومنصور الخرقاوي وغيرهما من الأدباء والمؤرخين. شارك السيد في الغناء، خصوصا في أغنيات أم كلثوم، وشاركه المرحوم الفنان محمد التتان وأحمد الزنجباري الذي كان يعزف على الكمان وأحمد باقر. كذلك عايش السيّد في المركز أجواء فنية رائعة بين أشرطة التسجيلات القديمة والحديثة للفنون الشعبية الكويتية وجمع التراث الفني الذي كان من أهداف المركز، ومارس كتابة النوتة الموسيقية وقراءتها.

موشّحات

غنى السيد في بداية حياته بعض الموشحات الدينية، وكان أول موشح أداه أغنية بعنوان «صلاة دوام»، وهي من كلمات عبدالرحيم المتيم يقول مطلعها:

صلاة دوام ما غنى الهزار

على طيب الذكر عالي الفخار

بشير نذير سراج منير

نبيّ سعيد عنى له وزار

بعد أن غنى أغنيته تلك عام 1960، سجل أول أغنية دينية من ألحانه بعنوان «حيوا ليلى»، كتب كلماتها الشاعر أحمد العدواني، وفي هذه الأغنية يكون السيد أول من تطرّق إلى هذه المادة الغنائية التي لم تكن شائعة سابقاً على مستوى الإذاعة، حيث بدأ التحوّل من مطرب أغنيات دينية إلى مطرب يغني للورد والطيور ويتغنى بجمال الطبيعة كالأشجار والأزهار والبحر، وهو بذلك يكون رافضاً الانتقال إلى الطرب العاطفي مباشرة، خصوصاً بعد تركه وظيفته في الإذاعة مقرئاً للقرآن الكريم.

الأغنية الخفيفة

يُعتبر السيد أول من اهتم بالأغنية الخفيفة وأغنيات المناسبات والابتهالات الدينية، فترك أثراً طيباً لاختياره مادة فنية لم تكن شائعة سابقاً. كان طلب من الفنان الكبير الرائد حمد الرجيب أن يعدّ له عملاً يكون بمثابة نقلة تبعده عن الموشح، فقدم له من ألحانه وكلمات الشاعر أحمد العدواني أغنية بعنوان «يا طير»، وهي أغنية وصفية حديثة، يقول في مطلعها:

يا طير ليتني أكون مثلك وعندي جناح

أطير مع النور وأسبح في السنا اللّماح

وإن شفت روضة ربيع فيها الزهور ألوان

نزلت فيها أغنّي أجمل الألحان

تلا أغنية «يا طير» تسجيل أغنية وطنية بعنوان «بلدي المحبوب»، بعدها طلب السيد من الشاعر الشعبي منصور الخرقاوي أن يكتب له أغنية عن البحر فقدم له أغنية بعنوان «حنين الموج» وهي من ألحانه والتي يقول فيها:

حنين الموج يشجيني

وضوح البدر يغريني

شراع الفلك يحديها

تبارك جل مجريها

أقضي ليلتي فيها

غريب الدار يا عيني

عبدالحليم حافظ

لحن السيد خلال مشواره الفني الطويل مجموعة كبيرة من الأغنيات العاطفية والوطنية لعدد كبير من الفنانين الكويتيين والعرب، من أشهرهم الفنان الراحل عبدالحليم حافظ. يذكر السيد عن حكاية غناء عبدالحليم من تلحينه أغنية «ياهلي»، من كلمات الشاعر وليد جعفر، وذلك خلال زيارة عبدالحليم الكويت عام 1965، حيث طلب منه أحد المسؤولين الكبار الذين يشجعون الغناء الكويتي أن يقدم لحناً لعبدالحليم بهدف نشر الأغنية الكويتية في الوطن العربي من خلال الأصوات الغنائية العربية المشهورة، فلحن له الأغنية التي يقول مطلعها:

يا هلي يا هلي

يكفي ملامي والعتاب

لا تلوموني ترى قلبي صويب

علموني واصدقوا برد الجواب

لاقت الأغنية نجاحاً كبيراً في الكويت وبلدان عربية عدة، وبعد هذا التعاون التقى السيد بعبدالحليم في أكثر من مرة، ففي عام 1973 عرّف الأخير السيد بالفنان فريد الأطرش وقال له «هذا هو الملحن الذي لحن لي الأغنية الكويتية «ياهلي»».

ألحــان أخرى

لحن السيد لعدد من الفنانين العرب من بينهم الفنانة القديرة فايزة أحمد أغنية بعنوان «ليش الحبيب»، من كلمات الشاعر عبدالله عبداللطيف العثمان، كذلك لحن للفنانة هيام يونس أغنية بعنوان «يا من يسلم لي على الغالي»، وللفنان اللبناني الكبير وديع الصافي أغنية بعنوان «ياهلي ردوا السلام»، من كلمات الشاعر الغنائي خالد العياف، وللفنانة المغربية غيتا أغنية بعنوان «شرع الهوى»، من كلمات الشاعر الغنائي يوسف ناصر والتي يقول في مطلعها:

شرع الهوى يقول

الحب أوله نظرة

back to top