بعد النتائج... اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون!

نشر في 20-05-2008
آخر تحديث 20-05-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي بطبيعة الحال، اندفع الجميع هذه الأيام لتحليل نتائج الانتخابات، سواء من الكتاب أو من محرري الصحف، وبطبيعة الحال أيضاً، لن يستطيع من هؤلاء إلا القلة ربما، أن يتخلصوا من ولاءاتهم وخصوماتهم عند التحليل، وسنجد بأن الكل (يهيل النار صوب قرصه) عندما يكتب!

الإسلاميون سيرون في النتائج انتصاراً للتيار الإسلامي لكونه حصد مقاعد أكبر، خصوصاً عبر ممثلي التيار السلفي، وهزيمة لليبراليين (أعداء الدين) لأنهم أخفقوا في الدوائر كلها عدا واحدة، في حين أن الليبراليين سيرون أنهم قد حققوا نجاحاً فائقا في الثانية وحققوا اختراقا في الثالثة بصالح الملا، وهذه قد تستحق وقفة، وأن الإخوان المسلمين- «حدس» (أعداء الحياة) قد لحقت بهم هزيمة ساحقة. مناصرو التيار الشعبي سيرون بأن «حدس» والليبراليين قد طالتهم ضربة موجعة في حين أن التكتل الشعبي لم يخسر إلا مقعداً واحداً، وهذه أيضا تستحق وقفة. وهكذا هلم جرا، كل سيغني على ليلاه!

من ناحيتي، فلا أجد أي داع للدخول في هذه «المعمعة التحليلاتية»، لأن القارئ في غنى عن تحليل آخر يضيفه إلى أكوام المقالات والتحليلات التي سيجدها في الصحف ومنتديات الإنترنت والمدونات، التي لن تؤدي إلى أي نتيجة ملموسة في النهاية.

سأكتفي بالقول بأني أرى، وبكل اختصار، أن القوى السياسية كلها قد منيت بهزيمة ساحقة في هذه الانتخابات. «حدس»، والليبراليون، والتكتل الشعبي، وحتى التيار السلفي الذي يقال إنه الرابح الأكبر، بغض النظر عن الكراسي التي حصدوها.

يمكن لنا أن نخادع أنفسنا فنكتب لنقول إن التيار الفلاني قد كسب أو خسر لأنه حصد هذا العدد أو ذاك من مقاعد البرلمان، لكن الحقيقة الأنصع بياضاً، هي أن الانتخابات قد جرت في عمومها على أسس قبلية فئوية طائفية واستنادا إلى المال السياسي بأشكاله المختلفة، ولم تجر على الأسس البرامجية والإيديولوجية، حتى نجيّر مكاسبها أو نعلق خسائرها على القوى السياسية، وبالتالي فإن ما لدينا هو انتخابات فردية صرفة، وشعب مرتبط حتى النخاع بقبليته وفئويته وطائفيته، بل ويمكن العبث وشراء قطاع كبير منه، مما يجعله بعيداً كل البعد عن الثقافة السياسية التي تؤهله للتعامل مع القوى السياسية بهذه الهيئة.

الناخب الكويتي قد اختار أغلب مرشحيه على أسس بعيدة جداً عن انتماءاتهم السياسية. مسلم البراك لم يحصد هذا الرقم الضخم في الرابعة لأنه من التجمع الشعبي وإنما لأدائه كنائب فرد في البرلمان السابق ولعمقه القبلي ولعلاقاته الاجتماعية وخدماته، ومحمد البصيري لم يخسر مقعده فيها لأنه منتم لـ«حدس» وإنما لأن الدائرة قد تم إغلاقها قبلياً وأحكمت السيطرة عليها من خلال الفرعيات ولم تستطع قبيلته ومَن يناصرونه اختراق هذه المتاريس. محمد حسن الكندري لم يصل في الأولى لأنه من السلف وإنما لأنه في الأساس مرشح الكنادرة الأوفر حظاً ولأن السنة الحضر اندفعوا نحوه باعتباره من أفضل الموجودين خوفاً وارتعاباً من سيطرة الشيعة على الدائرة، وحتى خالد السلطان لم يصل لأنه سلفي أولاً، وإنما لعلاقاته وصلاته الاجتماعية وترتيباته الانتخابية، وغيرهم وغيرهم!

ببساطة يا سادتي، النتائج كشفت لنا عن عن حجم الضحالة السياسية التي يعانيها المجتمع، والتي تم تكريسها عبر سنوات طويلة بيد الأطراف المختلفة، بمَن فيهم القوى السياسية نفسها التي كانت تتحالف مع الفرعيات والفئوية والطائفية، وتمارس الانتخابات على الأسس الفردية، مما أدى إلى استشرائها وتكاثفها بهذه الطريقة.

على أي حال، ما يهمني من هذه النتائج أنها كشفت لي، على الأقل، أن المسافة طويلة للوصول إلى المستقبل، وأننا بحاجة إلى المزيد من الاستعداد وإلى بذل المزيد من الجهد وإلى عدم إضاعة أي وقت في «سفاسف» الأمور وفي الهوامش، هذا إن كنا نريد حقاً أن ننهض بمجتمعنا من هذا الوضع غير الصحي، وآخر دعواي أن اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون!

back to top