هل نحن شعب فاسد؟!
شكرا ألف شكر لنواب الأمة الأفاضل اختراعهم للمفردة الجديدة «الإعلام الفاسد» فقد كنا نبحث، نحن الشعب الفاضي بلا هموم أو مشاكل نعانيها، عن شيء نتسلى به ونضيِّع وقتنا بالحديث عنه!أما متى «فسد» إعلامنا؟ وكيف؟ وفي أي ليلة ظلماء حدث ذلك؟ فعلم ذلك عند بعض النواب المستائين والغاضبين مما يطرحه هذا الإعلام «الفاسد» في الآونة الأخيرة، لا أفسد الله لنائب يوماً جلسة، ولا جعله من المفسدين فيها!
في قواميس اللغة يقال: فسد الشيء يفسد فساداً، وهو خلاف الصلاح، والمفسدة خلاف المصلحة، والاستفساد خلاف الاستصلاح!ولكلمة «فاسد» استخدامات عديدة عند بني البشر، فمنتخب الكرة حين يخسر بنتيجة ثقيلة يستقبله الجمهور بالبيض «الفاسد»، والمطرب حين «يبط» آذان الناس بصوته النشاز يرمونه بـ«الطماط الفاسد»، وكذلك يفعلون بالسياسي الفاشل، والفقيه يقول «هذا قياس فاسد»، وكذلك يفعل الخياط، أما الفلاسفة والمفكرون فيقولون «هذا منطق فاسد»، وأي مجرم صايع يُسأل عن انحرافه وصياعته يقول إن سبب ذلك هو الصحبة الفاسدة!وتفلسف يوما أحد الشعراء فقال: لا يرتجى الإصلاح من فاسد... فالشهد لا يُجنى من الحنظل ونوابنا الأفاضل ينشدون الصلاح والإصلاح في كل ما يفعلون ويقولون، وهو أمر طبيعي، فنصفهم يتبع «السلف» الصالح، ونصفهم الآخر يتبع «الإصلاح» الصالح!وقد أصلحهم الله كثيرا في الآونة الأخيرة وفتح عليهم، حين شنوا حملتهم على وزير الإعلام لكي يصلح «الإعلام الفاسد» ويربيه ويوقف أصحابه عند حدهم، فقد تجاوز هذا الإعلام كل الحدود وفك القيود التي كُبِّل بها منذ زمن بعيد، وأصبح يقول بحرية «ما يظن» أنه الحقيقة، ولأن بعض النواب الأفاضل وحدهم مَن يمتلك الحقيقة دائما، فكل ما يقوله هذا الإعلام خلاف ما يعتقدون أكاذيب وأباطيل بزعمهم!والغريب أن هذا الإعلام المرئي الفاسد لم يكن فاسداً حين تكالبوا على الظهور فيه بطيب خاطر وبمقابل مادي كبير كانوا يدفعونه له أيام الانتخابات، وكان هذا الإعلام غير الفاسد حينها لا يملك سوى «خرابيطه» من المسلسلات الساذجة التي لا يتابعها سوى «الأذكياء» من خلق الله، ثم وجد أصحابه أن السياسة خير سلعة تباع على هذه الأرض الطيبة، وتحول مذيعو المنوعات بفضل لقاءاتهم مع النواب الأفاضل إلى محاورين سياسيين فجأة، يفهمون في السياسة ودهاليزها وخباياها! وبرلماننا هذا يا قوم هو أعجب برلمانات الدنيا، فمنذ أن خرج إلى هذه الحياة وهو يصيح «لا... لا... لا» لحرية الكلمة والنقد والتعبير، وكل المطلوب من الإعلام أن ينتقد الحكومة وأعضاءها ويترك النواب في حالهم ولا يدوس لهم على طرف!في الولايات المتحدة وأوروبا تتحول الشخصيات العامة من وزراء ونواب إلى «نكتة» في الإعلام، بل إنهم أنتجوا للرئيس بوش مسلسلاً فنياً خاصاً، كما أخبرني أحد الأصدقاء، للسخرية من سياساته وإظهاره كرمز للسذاجة والتهور، ومع ذلك لم يطلب الرئيس بوش من وزير إعلامه تأديب «الإعلام الفاسد» لسببين: الأول، أنه ليس لديه وزير إعلام أصلاً. والثاني، لأنهم هناك يفهمون معنى حرية الإعلام وضرورة ألا يكون مقيدا بأي قيود!نحن مع المطالبة بالارتقاء بمستوى الطرح الإعلامي والنهوض به، لكننا لسنا مع جعله خاضعاً للسيطرة الحكومية أو إخراسه لمجرد أنه يبالغ أو يحرض أو يفتقد للمصداقية، دعوا الجميع يقول ما عنده حتى إن كان تافها وسخيفا ومجانبا للحقيقة، فهذه هي الحرية التي ننشدها جميعا حتى إن لم تأتِ كما نريد ونشتهي!بالمناسبة... هذا الإعلام المرئي «الفاسد» برغم كل شيء يحظى بأعلى نسبة مشاهدة بين المواطنين، فهل يرى نوابنا الأفاضل أننا «شعب فاسد» أيضاً؟!