بينما تتسارع الخطى الأميركية باتجاه فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، وفي مقدمتها تركيا وسورية وإيران، يتجه الكيان الصهيوني إلى مزيد من التشدد والضيق بهذا العالم الرحب، بعد أن أوغل في سياسة الإبادة الجماعية لأصحاب الأرض والحقوق الأصليين والعدوان والتمييز العنصري، ماضيا بذلك إلى حتفه الأبدي الذي لا مناص من أنه لن يكون سوى التفكك والزوال.

Ad

ففي الوقت الذي تفتح فيه أنقرة وإسطنبول أروقتهما لمطارحات أوباما السياسية التغييرية الجديدة تجاه العالم الإسلامي ومن بينها إيران، لاتزال تل أبيب مصرة على رشق العالم الإسلامي بمزيد من التهديدات بالحرب مع هذه الدولة المسلمة أو ما سمته باليوم الموعود معها.

في هذه الأثناء وبينما تفتح أنقرة ساحاتها نحو لعب دور متنام في «مصالحات» متاحة بين الشرق الذي تنتمي إليه والغرب الذي تتوق أكثر من عاصمة عربية وإسلامية وفي مقدمتها دمشق وطهران للتواصل معه على قواعد مختلفة تماما عن تلك التي اعتادها حتى الآن، لايزال البعض في العالم الغربي لا يرى فينا إلا بؤرا للنفط أو الأموال المتكدسة أو «القاعدة» أو الإرهاب.

ففي مؤتمر غاب عنه العرب بحضور كما يليق وينبغي ككتلة أساسية في العالم الإسلامي، توجه أوباما من منبر تحالف الحضارات الذي هيأت له حكومة رجب أردوغان، إلى ما سماه بـ«الشراكة مع العالم الإسلامي القائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل» نافيا في الوقت نفسه «أن تكون أميركا أو ستكون في حرب مع الإسلام، وإنما هي في حرب مع «القاعدة» اعتبر تركيا بمنزلة «الحليف البالغ الأهمية» والذي يبدو أن واشنطن تريد اعتماده وليست البلدان العربية التي لطالما اعتدنا على سماع أسمائها حتى الآن في استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة والمستقبلية.

من جهتها فإن إيران التي سبق للرئيس الأميركي الجديد أن خطب ودها من خلال رسالة التهنئة التي قدمها لقادتها في عيدهم القومي «النيروز» جدد مغازلتها من جديد، ولكن من أنقرة الأطلسية هذه المرة طارحا قبوله لما سماه بـ«حقها بالحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية على أن يكون مترافقا بتفتيش صارم» مستدركا ذلك بوضعه إيران بين خيارين «إما السلاح النووي وإما العالم الافضل» في مغالطة ومناكفة مقصودتين، الهدف منهما إحراج القيادة الإيرانية أمام المجتمع الدولي.

ولما كانت إيران تعرف مدى افتضاح هذه المغالطة أمام الرأي العام من جهة، وفحوى وهدف تلك المناكفة من جهة أخرى، فقد فضل الرئيس أحمدي نجاد الاكتفاء بالترحيب بمطارحات أوباما الإسطنبولية تاركا الرد على المناكفة إلى وقت آخر، مشددا القول في الوقت نفسه على أنه «ينتظر الإصلاح والتغيير المعلن من خلال تعضيد الأقوال بأفعال ملموسة» مع استدراكه بالقول بأن «يتعشم أن يكون الرئيس أوباما بمقدوره فعلا أن يحقق ذلك التغيير» كما جاء في تصريحات لنجاد من العاصمة الكازاخية المآتا.

وتحدي إيران لواشنطن يكبر عندما نسمع طبول الحرب تتجدد انطلاقا من الدويلة المدللة لأميركا، أي الكيان الصهيوني الذي يحظى بالتأييد والمساندة المطلقة، وهي تهدد طهران من جديد «بإعداد العدة ليوم الحسم الموعود مع التهديد الاستراتيجي الأكبر القادم من إيران ومظلتها النووية» كما جاء على لسان نائب رئيس الأركان الإسرائيلي دان هرئيل، في وقت لم يتردد فيه قائد الدفاع الجوي الإيراني أحمد ميقاتي بالقول «بأن العدو لن يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الحماقة لأنها ستكلفه إسقاط وتدمير عدد لافت من طائراته وصواريخه وأهدافه».

المتابعون بدقة لما يجري من تطورات على الساحة الدولية وتلك التي تحيط بالوطن العربي والعالم الإسلامي، يشمون رائحة توافقات ما، تحصل في الأروقة الخلفية بين كل من أميركا والاتحاد الأوروبي من جهة، وبين كليهما وروسيا والصين من جهة أخرى، مفادها التحلل عمليا من الوعود التي سبق أن أطلقت حول ما يسمى بالتسوية الشرق أوسطية والدولة الفلسطينية القابلة للحياة، مقابل التوجه شبه الجماعي لمواجهة خطر «القاعدة» والطالبان في كل من باكستان وأفغانستان، التي باتت عاصمتها كابول مهددة أكثر من أي وقت مضى بفقدان الأمن والاستقرار، وهو ما ينطبق على باكستان أيضا في أكثر من نقطة حيوية وعلى أكثر من مستوى.

هذه الانكفاءة الأميركية والأوروبية عما يسمى بملف الشرق الأوسط العربي والاندفاع شرقا نحو باكستان وأفغانستان ربما كان أحد العوامل الذي زاد من أهمية وحيوية الدورين التركي والإيراني، فيما يفترض أن نشهد غيابا ملفتا لأي دور عربي مهم وجاد في المعادلة الدولية، اللهم عدا سورية وقطر اللتين انضمتا مبكرا إلى معسكر ائتلاف الطامحين بالأدوار كل من زاويته المتفاوتة.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء