آخر وطن: ما أغبى الرجوع إليه!!

نشر في 27-03-2009
آخر تحديث 27-03-2009 | 00:00
 مسفر الدوسري إذا افترق عاشقان مدة طويلة بسبب خصام ما، فالأفضل لهما ألا يحاولا الرجوع!

غالبا ما تكون المحاولة فاشلة، وغالبا ما يكتشف العاشقان أن شيئا ما في داخلهما قد انكسر، ومن الصعب إصلاحه وإرجاعه كما كان.

أنا لا أعلم لماذا، ولا ما هو السر في ذلك، ولكن معظم التجارب التي عايشتها عن قرب، أو حتى سمعت بها، تؤكد أنه عندما يفترق عاشقان وخصوصا إذا كانا قد عاشا معاً سنين طويلة، فلن تكون عودتهما محمودة، بل إنه كلما كانت الفترة التي قضياها معاً قبل الفراق طويلة، كانت عودتهما بعد الفراق أكثر فشلاً. من الممكن أن تكون هناك تجارب استثنائية، ولكنها استثناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها.

«جاي تعيد اللي مضى... مستحيل» هذا ما قاله الفنان عباس البدري منذ سنين طوال، ومن قبله قال الفنان أبو بكر سالم: «إعادة الماضي للحاضر محال»، فعلاً إن إعادة بريق المشاعر السابقة مهمة شاقة وشبه مستحيلة.

مخطئ من يظن أن الجفا موسم رائع لأن يزهر فيه الحب، وتخضَّر فيه أوراق الوجد، وتصبح فيه أغصان الشوق أكثر ليناً.

مخطئ مَن يعتقد أن الفراق الطويل فرصة لمنح ضفائر الوله وقتا لتطول، ووقتاً لعيون الحنان لأن تكتحل، ولشفاه الصمت أن تختار «الروج» الأكثر إغراء.

الفراق الطويل يوقف تدفق المياه في مجرى نهر العواطف، ويجفف الماء فيه رويدا رويدا، ويجعل رقعة التصحُّر تتسع مع الزمن، يملأ آبار المشاعر بالتراب بدلاً من الماء.

الفراق الطويل يترك فرصة للغبار ليتراكم على صورة الحبيب المعلقة على جدار القلب، وشيئاً فشيئاً يلتهم الغبار تلك الصورة، فلا نعود نميز ملامحها.

الجفا لا يولّد سوى الجفاف، هذه حقيقة قد لا يعيها كثير من المحبين، ولا يخلّف إلا أشجاراً صفراء هزيلة يابسة لا تحمي من هجير، ولا تغني عن ظل.

إن تجربة الفراق تترك أثراً في نفس كل من الحبيبين، وجرحا غائرا في وجدان أحدهما أو كليهما، وتنزع صفة البراءة منهما والرحمة، وتترك مكانهما قسوة من صنع الفراق.

الفراق الطويل الناتج عن الخصام يعيد تشكيل ورسم ملامح كلٍّ من الحبيبين دون أن يشعرا، فلا تعود ملامحهما هي نفس الملامح التي كانا يملكانها قبل الفراق، وهذا ما يجعل عودتهما إلى بعضهما أشبه بعودة غريبين ليست بينهما أي علاقة ببعض، يبحث كل منهما في الآخر عن وجه قديم افتقده، فلا يجد ذات الوجه، ويبحث عن وطن يعرفه حق المعرفة، فلا يجد سوى منفى بارد لا «يتشجّر» فيه دفء الوطن، يبحث عن مشاعر أضاءت وحدة لياليه في زمن سابق، ودثرت أطراف قلبه في شتاءات مضت، فلا يجد سوى مشاعر متشككة مرتابة غير آمنة للآخر، فتنكسر القلوب مرة أخرى، ولكن هذه المرة بسهولة أكبر، وبإسدال الستارة على صورةٍ لحبيب لم نعد نحبه، بعكس المرة الأولى!

لذا... ليكن الفراق الأول هو الأخير، إلا إذا كان المحبين على يقين بأنهما سيحاولان من جديد على أساس أن كل واحد منهما سيبدأ علاقة جديدة مع شخص قديم... قد اختلف!

back to top