الشباب... والتمرد السياسي!
الشباب الكويتي عموماً وشباب التيارات السياسية بشكل خاص يعيش حالة انتقالية صعبة وحرجة يجب أن يحسب لها ألف حساب، فمن حيث التركيبة السكانية تشكل هذه الفئة أكثر من نصف المجتمع ويتميزون عن شباب الأمس بالانفتاح الكبير على تكنولوجيا المعلومات.
البيان «المزور» لشباب الحركة الدستورية «حدس» بالتأكيد لم يأت من فراغ على الرغم من إبطال مفعوله الإعلامي واعتباره عملية ملفقة تستهدف قيادات الإخوان المسلمين كتيار سياسي يتمتع بامتداد جماهيري عريض، وانطلاقاً من مفهوم لا دخان بدون نار والحقيقة الجلية بوجود خلافات ووجهات نظر داخل الحركة الدستورية خصوصا بين أوساط الشباب، لا بد من تسليط بعض الضوء على هذا النوع من الحراك السياسي المهم بغض النظر عن وجود مثل هذا البيان.ومثل هذه الظاهرة الشبابية في حماسها وعلو صوتها وحرصها على إثبات الذات لا تقتصر على الحركة الدستورية بل تمتد عبر التيارات السياسية بكل أنواعها وأفكارها الأيديولوجية، الدينية منها والليبرالية وحتى بين أبناء القبائل والطبقات الاجتماعية، الأمر الذي يستدعي وبشكل فوري الدخول في حوارات جادة وعميقة من أجل فهم تطلعات جيل الشباب الكويتي واستيعاب همومهم وتطلعاتهم وطموحاتهم.فهذه الفئة تستشعر بحق أنها تستخدم كأداة سياسية عند اللزوم فتدفع إلى الواجهة الميدانية للتسويق والترويج والتصدي لأفكار المؤسسات والتنظيمات التي يتعاطفون معها ويؤمنون بأفكارها، وبمجرد نجاح هذا التحرك تتم إعادتهم إلى الرف أو الصفوف الخلفية وتهميش دورهم في القرارات الرئيسة بحجة نقص الخبرة والإفراط في الحماس والاندفاع وراديكالية أطروحاتهم، ولذلك لا نجد دورا محوريا للشباب إلا في المسيرات والاعتصامات والمهرجانات الخطابية في ساحة الإرادة وغيرها وفي مواسم الانتخابات، وسرعان ما يفقد أثرهم بعد ذلك! ومن هنا لا نستبعد أبداً بعض المحاولات الجريئة التي قد تكون مزعجة للمخضرمين والكبار بغية إيصال رسائل أو التعبير عن رأي وموقف ولو من خلف الكواليس أو من وراء الأبواب المغلقة.فالشباب الكويتي عموماً وشباب التيارات السياسية بشكل خاص يعيش حالة انتقالية صعبة وحرجة يجب أن يحسب لها ألف حساب، فمن حيث التركيبة السكانية تشكل هذه الفئة أكثر من نصف المجتمع ويتميزون عن شباب الأمس بالانفتاح الكبير على تكنولوجيا المعلومات ويتمتعون بذكاء خارق بالتزامن مع طبيعة الحيوية والنشاط الشبابي والقدرة على الانتشار السريع في المجتمع.والأهم من ذلك، فإن هذه الشريحة العريضة تمثل الوعاء الرئيسي للتعبير عن الحالة العامة التي يعيشون همومها وشجونها التفصيلية وهي ملبدة بهواجس الإحباط وضبابية المستقبل، فالمشاكل التعليمية ضحيتها بالدرجة الأولى هؤلاء الشباب، والقلق على الوظيفة المناسبة يشغل تفكير الأغلبية العظمى منهم، ومشاكل السكن وتكوين الأسرة في ظل الغلاء الفاحش هم المعنيون بها دون غيرهم، والأمراض الفتاكة باتت تهدد حياة العديد من الشباب دون سابق إنذار وفي مقدمتها أمراض السكر و«الإم إس» والقلب والسرطانات بمختلف أنواعها في ظل خدمات صحية معدومة الثقة، ناهيك عن الكماليات التي تعتبر حلم كل شاب من الرياضة والترفيه والمؤسسات الحاضنة للإبداع.ومثل هذه المشاعر عادة تكون عابرة للفكر السياسي وتتعدى حدود الأدلجة والتنظير، فكيف إذا تبناها شباب منظم سياسياً؟ ويكفي إجراء أي مسح في المنتديات الإلكترونية للتعرف على حجم هذا التوجه السياسي من خلال مداخلات وانتقادات هؤلاء الشباب التي تبدأ بالمحيط السياسي الذي ينتمون إليه.وإذا أخذنا بمجمل هذه التعبئة النفسية لدى الشباب وأضفنا لها ما يرونه يومياً من مواقف سياسية متذبذبة ومتقلبة وصفقات مشبوهة من تياراتهم ورموزهم السياسية فكيف لا نتوقع هذا النوع من التمرد وإن اعتبره البعض ملفقاً أو مزوراً!