على مدى أكثر من ثلاث سنوات انشغل العالم بسيناريوات الحرب الأميركية- الإيرانية المتوقعة، وراح كثيرون ينظّرون لتلك الحرب، ويرسمون مراحلها، ويحددون الأسلحة المستخدمة فيها. آخرون اهتموا برسم سيناريوات حرب أخرى مختلفة تخوضها إسرائيل وليست الولايات المتحدة، وبالطبع ستكون خاطفة ومركزة ولن تشهد أي التحام بري، بل مجرد قصف جوي وصاروخي متبادل من هنا وهناك.

Ad

وفي خضم التحليل الاستشرافي ورسم السيناريوات المتوقعة غيّب المحللون، أو عطلوا عن عمد أو من دون قصد، سيناريو اللاحرب، وهو احتمال قائم من دون شك، خصوصاً أن ثمة مؤشرات كثيرة عززته في الأيام القليلة الماضية.

يرتكز سيناريو الحرب على افتراضات ذات وجاهة ولها ما يدعمها من الواقع والتاريخ القريب والبعيد؛ فإيران امبراطورية سابقة تشعر بالاضطهاد والذل التاريخي، ودولة شيعية تعرف المظلومية وإحساس الاستهداف، وأمة فارسية يراودها الطموح ويدعوها الحنين إلى عصور السيادة والهيمنة، ودولة إقليمية يحيط بها العداء من كل جانب، خصوصاً أن «الشيطان الأكبر» الأميركي بات في الشرق حيث أفغانستان، وفي الغرب حيث العراق، على مرمى حجر بأساطيله وقدراته العسكرية الضخمة، بينما تقبع إسرائيل غير بعيد متحينة الفرصة للانقضاض.

من الناحية الأخرى توفر الإدارة الأميركية بتركيبتها الراهنة أفضل الذرائع لشن الحروب الهادفة أو العدمية، المدروسة أو المعدومة الأثر، العادلة أو الخرقاء. فهي إدارة يمكن أن يتوقع منها أي شيء مهما كان خاطئاً أو فاشلاً، كما أن ميلها الفطري إلى الحرب والصدام، وخبرتها السابقة في الهروب إلى الأمام من خطأ إلى خطأ أفدح، وارتكازها على دعاوى أيديولوجية عنصرية وعصبية وصدامية، كلها عوامل تعزز الاندفاع نحو الحرب.

ولا عجب، والحال هكذا، أن يميل المحللون والسياسيون والمراقبون إلى ترجيح خيار الحرب، لكن ثمة ما يعزز أيضاً احتمالات تفادي القتال؛ فإيران رغم حديثها المتكرر عن كونها «أقوى أمة في العالم»، ورغم تصريحات قادة الحرس الثوري المتكررة عن «تدمير المصالح الأميركية»، و«امتلاك صواريخ قادرة على الوصول إلى حيث يوجد العدو»، وعن «البدء في حفر مئات آلاف القبور لدفن جثث الجنود الأعداء»، فرغم هذه التصريحات والتهديدات كلها، فلا شك أن طهران تدرك جيداً حجم قوتها العسكرية مقارنة بحجم الآلة العسكرية الأميركية.

لقد تابعت إيران عن قرب ما حدث في العراق، وهي من دون شك تملك قدرات عسكرية وقتالية أفضل من تلك التي كان يمتلكها صدام حسين قبل الغزو الأميركي، لكنها أيضاً تعرف أن ترسانتها ليست بالعمق والضخامة والتنوع والقدرة التدميرية التي يمتلكها الأميركيون.

من جهة أخرى، فإن الأميركيين يعرفون أن فتح جبهة ثالثة في مواجهة إيران في الوقت الراهن سيجر عليهم متاعب لا قبل لهم بمواجهتها. فآلاف الجنود الأميركيون منخرطون في حروب العراق وأفغانستان، وتدفع بلادهم مئات المليارات لتمويل الحربين، التي يعاني الجيش الأميركي خلالهما كثيراً من الصعوبات ويواجه كثيراً من العنت. وإذا كانت واشنطن قد نجحت في تكوين تحالف دولي في حربي أفغانستان والعراق، فإن ذلك سيكون أصعب في حال الحرب مع إيران. الأهم من ذلك أن واشنطن تدرك ما قد يحدث من اضطراب واسع لا يمكن السيطرة عليه في منطقة الشرق الأوسط، وأجزاء أخرى كثيرة من العالم من جراء عمليات الرد المتوقعة من الإيرانيين وحلفائهم سواء في «حزب الله» و«حماس» على حدود إسرائيل، أو من حلفاء إيران في منطقة الخليج العربي المكتظة بالمصالح البترولية والاستثمارات الحيوية، أو في مناطق أخرى مؤثرة.

ولذلك يمكن أن نلاحظ أن الإيرانيين والأميركيين اعتمدوا خطاب تهدئة في الأيام الأخيرة، في وقت سمعنا الأخبار عن المضي قدماً في المفاوضات الإسرائيلية- السورية، ونجاح المفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين إسرائيل و«حزب الله»، واتجاه هذا الأخير أيضاً إلى التهدئة على الساحة المحلية، وهو الأمر الذي يبدو أن «حماس» أيضاً حريصة على تحقيقه في هذه الأيام.

فهل يبتعد شبح الحرب؟ لا يمكن لأحد أن يجيب عن هذا السؤال باطمئنان؛ فإيران أمة تشعر بالاضطهاد والرغبة في مد النفوذ واستثمار القوة مرتكزة على أيديولوجيا تعتبرها سماوية لا يجوز التخلي عنها، ويصطدم طموحها بإدارة أقوى دولة في العالم، وهي إدارة ترتكز على دعاوى أيديولوجية أكثر تصلباً وعنصرية، كما أن العنصر الإسرائيلي لا يمكن إغفاله، وهو العنصر الذي سيضمن دوماً إشعال عداء واشنطن تجاه الطموح الإيراني أياً كانت الإدارة التي تحكم. لكن الإشارات تأتي هذه الأيام من الأميركيين بالتركيز على خيارات الدبلوماسية وحزم الإغراءات، ومن الإيرانيين عن تركيز القرار النووي في يد خامنئي لا نجاد، ومن حلفائهم نحو التفاوض والتهدئة مع إسرائيل، ومن أسعار الطاقة بأنها وصلت حداً لا يمكن معه المخاطرة باضطرابات تدفع نحو مزيد من الارتفاع، وهو الأمر الذي يعزز الأمل في ابتعاد شبح الحرب... ولو قليلاً.

* كاتب مصري