«أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه». هذا هو القسم الذي أداه النواب جميعهم بمَن فيهم المتأسلمون (الذين لا يؤمنون أصلاً بالدستور والقوانين الوضعية ومع ذلك يقسمون بالله العظيم عليها).
عجبي من هؤلاء واستغلالهم للدين والديمقراطية لهدم الديمقراطية ذاتها. ألم يُحرِّموا ويُجرِّموا الديمقراطية «الغربية» لأنها من «صنع الأمم الكافرة وفق ما تسنه نظمهم وقوانينهم الوضعية» حسب قولهم؟! ألم يصف الإخوان المسلمون عصر الحداثة «بالجاهلية»... وذلك لأنهم يصورون للناس أن الجماعات الليبرالية لا تريد الإسلام، وهي بالتالي في «حالة جاهلية» يستوجب جهادها ولو سياسياً؟ ألم يوظفوا النصوص الدينية للوصول لأهدافهم السياسية؟ ألم يسعوا، ومايزالوا، بكل ما أوتوا من قوة إلى تغيير المادة الثانية من الدستور وتضييق الحريات؟ نصّت المادة (30) من الدستور على أن «الحرية الشخصية مكفولة»، وتضمنت المادة (35) منه على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب». كما نصت المادة (175) على «أن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة». هل سيحترم النواب المتأسلمون هذه المواد من الدستور؟ إن أقوالهم وأفعالهم وبرامجهم الحزبية تؤكد غير ذلك. الإسلام السياسي في الكويت ضد الحرية الشخصية وحرية الاختيار، وعلى سبيل المثال لا الحصر فرضهم لقانون منع الاختلاط «غير الدستوري»، لما فيه من تعدٍ صارخ على حرية اختيار نوعية التعليم، ووقوفهم ضد بناء دور العبادة للأديان الأخرى، بل والمذاهب الأخرى من الإسلام في الكويت. وأمثلة فكرهم الإقصائي وغير المتسامح مع الأديان الأخرى والعقائد لا تعد ولا تحصى مثل عدم جواز التهنئة بأعيادهم، ووجوب غزو المسلمين «للكفار» في عقر دارهم مرة في العام على الأقل لأنها (دار كفر ودار حرب)، ومنافحتهم للاقتصاد العالمي الراسخ بحجة الربا، وأثرهم على عدم جواز تجنيس غير المسلمين في الكويت، وتحجيمهم لحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية وغيرها وغيرها. إذا قورن ذلك كله بالتسامح في دول الغرب يظهر الفرق جلياً حيث إنهم هناك يسمحون للمسلمين بحرية ممارسة شعائرهم وبناء مساجدهم ومكتباتهم وتكوين منظماتهم وحماية مَن يلجأ إليهم هرباً من الدول الإسلامية. لا تؤمن جماعات المتأسلمين السياسيين بالمجتمع المدني الديمقراطي الذي يقوم على المفاهيم الليبرالية، ذلك أن المجتمع المدني يؤمن بتعايش الأديان كلها على حد المساواة تحت مظلة الدولة، في حين أن أنصار هذا الفكر يريدون فرض مذهب واحد من الدين الإسلامي لكي يسود في الدولة، ومن الصعوبة بمكان تحقيق هذا النوع من الدول في عالم تتعايش فيه الإثنيات جميعها تحت مظلة قانون مدني واحد. ماذا تنشدون... التنمية والازدهار؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك من دون حرية ونهضة حضارية وعلمية وفكرية وثقافية وتسامح وتعايش؟ لاشك أن هذا العصر آت بعد أن يجرب الشعب مرارة التخلف والتحجيم والعودة إلى الوراء وقتل الفرح والمباهج. يبدو أننا صرنا نعاني «النوستالجيا» الفكرية التي سبق أن تحدث عنها أستاذنا الدكتور أحمد البغدادي فأصبحنا نحِنّ إلى الماضي القريب الذي كان أكثر حرية وحضارة وانفتاحاً.ومرحباً بكم «مؤقتاً» في «كويتستان».
مقالات
أهلاً بكم في كويتستان
04-06-2008