النتائج التي أسفرت عنها انتخابات يوم الثلاثاء الماضي الإسرائيلية أظهرت أن وضع الإسرائيليين ليس أفضل من وضع الفلسطينيين، وأنه لم يبقَ سوى أن ينفرد أحد الأحزاب المتطرفة بمنطقة جغرافية من إسرائيل حتى تكون هناك دولتان إحداهما مثل دولة غزة والأخرى مثل دولة الضفة الغربية، وهذا هو ما كان عليه الوضع في التاريخ البعيد عندما انقسم اليهود خلال توقفهم المؤقت في فلسطين بين دولة جنوبية هي دولة أيهودا ودولة شمالية هي دولة السامرة.
لا مثيل لهذه الفسيفساء السياسية في إسرائيل التي أوضحتها الانتخابات الأخيرة على حقيقتها وبكل أبعادها في أي دولة في العالم، وهذا يعني ان هذه الدولة، التي تبدو بعضلات مفتولة لمَن ينظر إليها عن بعد، بحالة تشبه الحالة الصومالية، ولكن من دون ميليشيات مسلحة متصارعة ومن دون قراصنة يعملون لحسابهم يقطعون الطرق على سفن التجارة الدولية في أعالي البحار. هناك الآن في إسرائيل خمسة وعشرون حزباً موزعة بين اتجاهات يتناقض بعضها مع البعض الآخر تناقضاً جذرياً، فالأحزاب الدينية المتطرفة وعلى رأسها «شاس» ترفض حزب أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا) رفضاً قاطعاً مانعاً على اعتبار أنه حزب علماني ملوّثٌ بأفكار شيوعية ونزعة ستالينية، وأيضاً فإن هذه الأحزاب الدينية تجد أنه ثقيل عليها أن تقبل امرأة على رأس الحكومة الإسرائيلية. وهناك الآن اليسار الذي تقزَّم حتى حدود التلاشي نظراً إلى تَأوُّدِ المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، وهناك أيضاً الكتلة العربية الكسيحة التي تقدمت عددياً، ولكنها بقيت غير فاعلة وغير مؤثرة سياسياً، وهناك بالطبع أثافيُّ القدر الثلاثة حزب «كاديما» وحزب الـ«ليكود» وحزب «العمل» الذي فقد، بعد اغتيال إسحق رابين، دوره التاريخي وتواصلت انهياراته إلى أن غدا بهذه الحالة المزرية. وهكذا فإن هذه الحالة من التمزّق والتشظي التي تنعكس سلبياتها على المنطقة كلها تجعل أنه من غير الممكن، في ظل عدم وجود الحزب المقرر والقائد القادر على اتخاذ القرار الصعب في اللحظة المناسبة، أن تخطو عملية السلام المصابة بالكساح وتورّم المفاصل أي خطوة جدية الى الأمام ما لم تتدخل الإدارة الأميركية تدخلاً جديّاً وتفرض على الإسرائيليين الانصياع لاستحقاقات العملية السلمية وضرورة إطفاء بؤر التوتر في هذه المنطقة الملتهبة. قال مارتن إندك السفير الأميركي السابق في إسرائيل في مقال لـ«هيرالد تربيون»: «بالرغم من أن كتلة اليمين فازت بالأغلبية وأن متطرفاً قد أصبح صانع السياسة الإسرائيلية فإنه من السابق لأوانه إعلان نهاية حل الدولتين وموت عملية السلام في الشرق الأوسط»... لكن هذا الكلام سيبقى في الحقيقة تفاؤلاً أكثر من «اللزوم» إذا لم تتحرك إدارة الرئيس باراك أوباما بسرعة وتمارس ضغطاً فعلياً على هذه الرؤوس الحامية وتلزم هذه الفسيفساء الإسرائيلية غير المتجانسة بعدم دفع الأمور نحو هاوية جديدة أكثر خطراً من هذه الهاوية الحالية.
مقالات
أسوأ من الحالة الفلسطينية!
17-02-2009