Ad

على عكس الصراعات السياسية في بدايات حياتنا البرلمانية، فصراع اليوم، وبالذات أحداث الأسبوع الأول من المجلس الجديد، أظهر حالة الارتباك لدى الجميع حكومة ونواباً، فالحديث مكرر، وقد توارت فيه السياسة، ولم يعد لها مكان، وليس التركيز على الأشخاص، والأحداث، والأفعال بالتفصيل الممل إلا جزءاً من حالة الوهن السياسي التي تعانيها الكويت.

في بدايات الحياة البرلمانية واجهت فكرة الديمقراطية والدستور إشكالات كادت تعصف بها وتنهيها، كان أولها عدم قدرة بعض أفراد الأسرة على تقبلها، ومن ثم استقالتهم، وكان «الضابط» لتلك الاحتجاجات، إن جاز التعبير، هو الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه، وقد نتج عن ذلك إعادة تشكيل الحكومة في أواخر عام 1964.

وعندما تقدم رئيس الوزراء آنذاك الشيخ صباح السالم، رحمه الله، بتشكيلته الحكومية الجديدة إلى مجلس الأمة في ديسمبر 1964، واجهت التجربة البرلمانية الوليد أزمة أشد وطأة حيث رفض 30 نائباً الدخول إلى جلسة الافتتاح لمنع الحكومة من إلقاء القسم الدستوري من خلال عدم اكتمال النصاب لانعقاد الجلسة، وقد كان لهم ما أرادوا، حيث لم يكتمل النصاب ولم تستطع الحكومة استكمال إجراءات تشكيلها، لم يكن الـ30 نائباً الذين «انسحبوا» أو رفضوا الدخول للجلسة من المحسوبين على المعارضة، بل كانوا يمثلون خليطاً سياسياً أغلبه محسوب على الحكومة، وكان أحد المؤثرين الرئيسيين في تلك الخطوة هو أحد أفراد الأسرة.

ومع أن سبب الاعتراض المعلن هو مخالفة الحكومة في تشكيلها المادة 131 من الدستور، والتي تنص على عدم جواز الجمع بين الوزارة والتجارة، إلا أنه كان معروفاً أن غرض الانسحاب لم يكن المادة 131 من الدستور، فقد عاد التجار في الحكومة التي تلتها، لا بل أصبحت «الوزارة» والمناصب العليا مدخلاً للعمل بالتجارة.

كان الشيخ عبدالله السالم حين اندلاع الأزمة خارج الكويت، وقطع إجازته ليجد طلباً من رئيس الوزراء يدعو إلى حل مجلس الأمة، ومع أنه كان عارفاً ببواطن الأمور، وأن الخطوة التي أقدم عليها النواب كانت مبرراً منطقياً لحل المجلس، فإنه طلب من رئيس الوزراء إعادة تشكيل مجلس الوزراء، وهكذا كان، وكرر في جلسة افتتاح دور الانعقاد لمجلس الأمة بيت الشعر الشهير:

«تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت

فإن تولت فبالأشرار تنقاد»

ربما كان الشيخ عبدالله السالم حينها يدرك بأن حله لمجلس الأمة في بدايات حياة الكويت الديمقراطية كان سيعني فشل التجربة قبل أن تبدأ، وربما كان يعرف أن الأمور ليست كما أُعلن عنها، لذا وجدناه قد اتخذ خطوة غير متوقعة، وأصر على استمرار الديمقراطية رغماً عن الجروح الظاهرة كلها واستهتار بعضهم.

حقبة المجلس الأول كانت حُبلى بالأزمات الطاحنة التي كان يفترض أن تقضي على الديمقراطية في مهدها؛ فقد شهدت استقالة أول رئيس لمجلس الأمة عبدالعزيز الصقر، رحمه الله، واستقالة ثمانية من النواب عام 1966 احتجاجاً على إصدار المجلس لقوانين غير دستورية، كما شهدت حلاً للمجلس البلدي ثم تزوير الانتخابات عام 1967. ومع ضخامة الأزمات المتتالية بالإضافة إلى وفاة الشيخ عبدالله السالم سنة 1965، فإن ديمقراطيتنا استمرت في المسير، وإن كانت مسيرة عرجاء تحولت أحياناً إلى كسيحة.

تلك الأحداث والعديد مما تلاها، كانت مؤشرات تدل على حالة صراع بين مَن يريد الديمقراطية ومَن لا يريدها، وكانت صراعاً سياسياً واضح المعالم.

أما صراع اليوم، وبالذات أحداث الأسبوع الأول من المجلس الجديد، فقد أظهر حالة الارتباك لدى الجميع حكومة ونواباً، فالحديث مكرر، وقد توارت فيه السياسة، ولم يعد لها مكان، وليس التركيز على الأشخاص، والأحداث، والأفعال بالتفصيل الممل إلا جزءا من حالة الوهن السياسي التي تعانيها الكويت.

البلاد بحاجة فعلية إلى مبادرات غير تقليدية للخروج من حالة الشلل التي تعم الجميع، وأصابت الجميع بالإحباط. فالحياة السياسية في الكويت، إن وجدت أساساً، باتت مكررة، مملة خالية من الإبداع، وكأنك تشاهد فيلماً مملاً للمرة العاشرة.