في ظل الأزمة المالية العالمية التي بدأت تداعياتها السلبية المباشرة تظهر للعيان على مستوى العالم، وفي ظل انخفاض أسعار النفط ووصولها إلى مستويات متدنية مقارنة بما كانت عليه قبل بضعة شهور، فإن قضية المحافظة على المال العام وحمايته من الاستنزاف والهدر تصبح الآن قضية مصيرية بالنسبة إلينا أكثر من أي وقت مضى. فالتوقعات الاقتصادية كافة بما فيها الأكثر تفاؤلا تتنبأ باستمرار الركود الاقتصادي الحالي لسنوات عدة مقبلة مع إمكان تحوله سريعا إلى كساد اقتصادي شامل سيؤثر حتما على مناحي الحياة كافة.

Ad

لهذا، فإنه لابد من «فرملة» و«فلترة» الدعوات التي بدأت تنطلق من هنا وهناك للحث على الاستعجال في استخدام المال العام من أجل إنقاذ شركات استثمارية خاصة تعاني مشاكل مالية جمة من خلال التدخل الحكومي المباشر الذي قد يكون عن طريق شراء الحكومة لأصول هذه الشركات أو غيرها من وسائل التدخل الحكومي الذي قد يأخذ شكل إنشاء محفظة مليارية أو ما سمي «صندوق الاستقرار الاقتصادي» (بحدود 6 مليارات دينار).

صحيح أن عامل الوقت مهم في عملية الإنقاذ الاقتصادي، خصوصا في ظل الظروف المالية العالمية الراهنة، وصحيح أيضا أن التدخل الحكومي لإنقاذ الاقتصاد الوطني والمحافظة على استقراره مطلوب بشرط المحافظة على الأموال العامة. ولكن من الضروري جدا ألا يُستغل هذان العاملان لتشكيل وسائل ضغط إضافية تؤدي إلى استنزاف الأموال العامة.

كما أنه من المهم هنا، ولكي نتمكن من تحديد الشكل المناسب لتدخل الدولة، أن نجيب عن بعض الأسئلة بشكل دقيق مثل؛ ما هو المقصود بالاقتصاد الوطني؟ وكيف يمكن المحافظة على استقراره؟ فهل أي شركة استثمارية حتى لو كانت ورقية تدخل تحت مسمى الاقتصاد الوطني الذي يجب المحافظة على استقراره؟ ثم ما هي الشركات الاستثمارية الحقيقية التي تساهم فعلا في دعم الاقتصاد الوطني والتي من الواجب على الحكومة القيام بدعمها خصوصا وهي تعاني الآن تبعات الأزمة المالية العالمية الحالية؟ فمن المعروف أن الشركات الاستثمارية الخاصة كافة في الكويت تجني منذ تأسيسها الأرباح السنوية الهائلة ولا تدفع أي نوع من أنواع الضرائب للدولة، وهناك شك كبير في قيام أغلبها بوظائفه الاجتماعية وتحمله تبعات التنمية الوطنية، كما أن مجموعة كبيرة من هذه الشركات الاستثمارية والمالية تقوم باستثمار أغلب رؤوس أموالها في أسواق مال عالمية وفي مؤسسات استثمارية أجنبية وبنوك خارجية، ولم يكن لها أي دور يذكر أبدا في دعم الاقتصاد الوطني ، بما في ذلك عدم توفير فرص وظيفية جديدة للكوادر الوطنية رغم الدعم الذي تقدمه الحكومة لها نظير قيامها بذلك، ثم ها هي تأتي الآن للمطالبة بتحميل المال العام تبعات انخفاض أرباحها السنوية أو انخفاض قيم تقييم أصولها!

إذن فمن المهم تصنيف وفرز الشركات الاستثمارية بناء على معايير معينة تتعلق بدرجة مساهمة كل منها في الاقتصاد الوطني وفي التنمية المجتمعية على أن يتوجه الدعم الحكومي، بعد ذلك، ضمن قوانين دستورية واضحة للشركات الاستثمارية الوطنية التي لها دور حقيقي في التنمية من خلال استثمار طويل الأجل محسوبة مخاطره بدقة.

إن الموقف من استنزاف المال العام وهدره للقيام بشراء مديونيات المواطنين كافة من دون وجود ضوابط وشروط هو نفسه الموقف الذي يجب أن يُتخذ الآن من شراء الحكومة لأصول الشركات الاستثمارية كافة أو غير ذلك من مقترحات تخلو من وجود معايير وشروط واضحة وشفافة تحافظ على المال العام.

ومن المستغرب حقا أن بعض الأصوات- بما فيها أصوات بعض أعضاء مجلس الأمة- التي كانت تنادي معنا بالمحافظة على المال العام آنذاك، أي عند المطالبة بإسقاط كل مديونيات المواطنين من دون ضوابط ، أضحت صامته الآن، وهي تسمع المطالبات الجديدة بشراء الدولة لمديونيات الشركات الاستثمارية بمليارات الدنانير من دون وجود ضوابط واضحة وشفافة تصون المال العام وتحافظ عليه! فهل يا تُرى لهذا الصمت علاقة باقتراب النار الآن من «قرصهم»؟!