آخر وطن: ثغرة للنور أو... متنا على وجه الجدار!
ذكرت إحدى الصحف الجزائرية في تحقيق صحافي لها أن مقدار ما ينفقه العرب على العرافين والمشعوذين يتجاوز الـ 5 مليارات دولار!!
كما جاء في التحقيق أن 55 في المئة من الذين يبتاعون الوهم من هؤلاء الدجالين هم من النساء، وهذا يعني أن النسبة الأخرى والبالغة 45 في المئة هم من الرجال، وأنا لا أجد أن هناك فرقا شاسعا بين النسبتين. وإن صحّت هذه الأرقام، فنحن أمام ظاهرة كارثية تستحق التعاطي معها بجدية ودراستها، هذا إذا أضفنا إلى ذلك انتشار ظاهرة الأحلام والذهاب إلى من يزعمون القدرة على تفسيرها، وكذلك ارتفاع نسبة الذين بدأوا يتحدثون عن مشاكلهم النفسية بصوت مسموع، بعد أن تعبوا من إنكارها، ومحاولة دفنها في غياهب أعماقهم، فبدأوا يرفعون الأستار عنها، ويعرضونها أمام المختصين من المعالجين النفسيين، أو حتى أمام من ليس لهم علاقة ولا معرفة بالمشاكل النفسية وتعقيداتها. إن كل ذلك يدفعنا الى القول إننا أمام أزمة حقيقية خانقة، على المستوى الفردي والاجتماعي، أزمة بدأت تُحكم قبضتها على أوردتنا، وشرايين النور في أعماقنا. أزمة حياتية دفعت بالكثير منا الى البحث عن مخرج لها عند أبواب العيادات النفسية، وأمام كُرات الدجالين البلورية، أو في مناديل العرافات. قد يقفز أحدهم ويقول إن الجهلة فقط، وغير المتعلمين هم من يطرق أبواب العرافين للبحث عن نافذة ضوء، وهذه بالتأكيد أحد التفسيرات الساذجة والسهلة، إذ إن التحقيق الصحافي المذكور يشير إلى أن حوالي 25 في المئة من النساء اللاتي يتعاطين هذا الوهم هن من المتعلمات. وقد يقز آخر و«يجعر» بإحدى «الكليشيهات» والعبارات اللاتي مللنا من سماعها، ولم يمل هو من ترديدها، كأن يقول إن سبب ذلك هو الابتعاد عن الدين، ولكن الملاحظ أن اشتداد أزماتنا الاجتماعية، تزامن مع انتشار المد الديني في مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة، حتى وصلت محاولات بعضهم إلى درجة عالية من العنف، حد القتل والتصفية، في سبيل فرض «دينهم» قسرا على المجتمع، وأنا لا أدّعي أن هناك ارتباطا واضحا بين وصول مجتمعاتنا العربية الى عنق الزجاجة، وانتشار المد الديني، ولكن أقول إن هذه ملاحظة جديرة بالتوقف عندها ودراستها وتحليلها من قبل المتخصصين، لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقة ما، أم أن تزامن الظاهرتين من باب المصادفة البحتة. الواضح والجلي أن الإنسان في مجتمعنا العربي يعاني أزمة حادة على الصعيد الفردي والاجتماعي، يعاني واقعا فَتَك أو يكاد بروحه، وطمأنينيته، ولقمة عيشه، وأمانيه، واستقرار علاقاته الإنسانية، وإيمانه بالمبادئ، والمُثل العليا، والقيم، والأخلاق، وكل ما يؤسس لأرض صلبة يستطيع أن يخطو فوقها دون أن يسقط في رمال متحركة متلهفة لابتلاعه، واقع بشع، قاسي، ينتشر فيه العنف، ويستباح فيه الأمان. وفي مقابل هذا الواقع البائس، هو لا يرى سوى مستقبل لا يقلّ حلكة، ولا شقاء، مستقبل لا يبشّر أبدا ببزوغ الفجر، ولا يوحي بأي بشارة قادمة، ولا ينبئ بصوت العصافير، لذا بدأ الكثير منا البحث عن منفذ لشعاع لدى العرافين والمشعوذين ومفسري الكوابيس!!